اكتسبت القضايا البيئية أهميّة كبيرة على أجندة أعمال جميع الدول للعام 2023، الذي كان الأخير حافلاً بالتحديات البيئية والتقلّبات المناخية المتطرّفة، بعد أن ارتفعت درجات الحرارة العالمية بشكل مقلق، وتجاوزت المعدّلات التاريخية بنسبة تصل إلى 1.2 درجة مئوية. وهذا ما سبّب زيادة في الأحداث المناخية المدمّرة، مثل الأعاصير والفيضانات والجفاف. وإلى ذلك، تجاوزت القضايا البيئية الحدود الجغرافية والثقافية لتصبح قضية عالمية تستدعي تحرّكًا جماعيًا وعملًا حقيقيًا.
ومع أفول العام 2023 واستقبال العام 2024، جمع موقع "الصفا نيوز" أبرز الأحداث البيئية التي تركت بصماتها على العام المنصرم.
ازدياد الكوارث الطبيعية
وفقًا للإحصاءات، شهد العام 2023 ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الكوارث الطبيعية، إذ بلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية الناجمة عنها نحو 100 مليار دولار.
أمّا نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي فوصلت إلى مستويات قياسية بلغت 420 جزءًا في المليون، وهذا يدل إلى زيادة في الاحتباس الحراري وتغيّر المناخ.
وتُظهر الأرقام إصابة 70 % من البحار بالتلوّث البلاستيكي وتدمير حوالى 80% من الغابات الإستوائية بسبب توسّع الزراعة وتجارة الأخشاب.
قتل النشطاء البيئيين
ووفقًا لتقرير حقوق الإنسان البيئية لعام 2023، سُجّلت أكثر من 300 حالة قتل للنشطاء البيئيين والمدافعين عن حقوق البيئة في جميع أنحاء العالم، وهذا يشير إلى تصاعد حالات العنف والتهديدات التي يواجهها هؤلاء الأفراد بسبب نضالهم من أجل الحفاظ على البيئة.
الاحتباس الحراري من الوقود الأحفوري
أدّت زيادة انبعاثات غازات الدفيئة إلى زيادة سريعة وثابتة في درجات الحرارة العالمية، التي بدورها تسبّبت في أحداث كارثية في جميع أنحاء العالم، من أستراليا والولايات المتحدة التي تشهد بعضًا من أكثر مواسم حرائق الغابات تدميراً على الإطلاق، إلى اجتياح الجراد أجزاء من أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، حيث دمّر المحاصيل، فضلاً عن سيطرة موجة حارّة في القارّة القطبية الجنوبية وارتفاع درجات الحرارة إلى ما فوق 20 درجة لأوّل مرة.
وحذّر الخبراء من أنّ الكوكب قد تجاوز سلسلة من النّقاط الحرجة يمكن أن تسفر عنها عواقب كارثية، مثل زيادة ذوبان التربة الصقيعية في مناطق القطب الشمالي، وذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند بمعدّل غير مسبوق، وتسريع الانقراض الجماعي السادس، وزيادة إزالة الأشجار في غابات الأمازون المطيرة.
وتسبّبت أزمة المناخ في أن تكون العواصف الاستوائية وغيرها من الظواهر الجوية مثل الأعاصير وموجات الحرّ والفيضانات أكثر حدّة وتكرارًا من ذي قبل.
ارتفاع درجات الحرارة
أثّرت التغيرات البيئية في توفّر ووصول الإنسان للموارد الطبيعية الأساسية مثل المياه النظيفة والغذاء والطاقة، وسبّبت بانخفاض مستويات المياه الجوفية ونضوب الموارد الطبيعية، وهو ما جعل الأفراد أكثر تعرّضًا للاضطرابات والنزاعات المرتبطة بالموارد، مؤثّرًا في قدرتهم على تلبية حاجاتهم الأساسية، وأدّى تدهور البيئة ونقص الموارد الطبيعية إلى زيادة حالات الهجرة والنزاعات. واضطرت أسر كثيرة إلى مغادرة منازلها بحثًا عن بيئة أكثر استدامة وأمانًا، وهذا ما رفع أعداد اللاجئين البيئيين ووضع ضغوطًا اجتماعية على البلدان المضيفة، وزاد من معدّلات النّزاعات والتوتّرات الاجتماعية. فمن أصل 71.1 مليون شخص نزحوا داخل بلدانهم في جميع أنحاء العالم حتّى نهاية العام الماضي، تسبّبت الكوارث الطبيعيّة الناجمة عن تغيّر المناخ في نزوح نحو 6.2% منهم (8.7 ملايين شخص)، بحسب تقرير لـ"مركز رصد النزوح الداخلي" في عام 2023.
ارتفاع نسبة الفقر
يؤثّر تغيُّر المُناخ سلبًا في معدّلات النمو والحدّ من الفقر، إذ تشير التوقّعات إلى حدوث انخفاض في النّاتج المحلّي الإجمالي العالمي المتوقّع يراوح بين بضع نسب مئوية و30% في العام 2100 نتيجة لتغيُّر المُناخ. ومع ذلك، فإنّ اختزال التأثيرات المُناخية في النموّ في الخسائر المتعلّقة بإجمالي الناتج المحلّي العالمي فقط، يُخفي التأثير المُناخي الفعلي في الفقر على المستوى الدولي. فعلى سبيل المثال، تنتج القارّة الإفريقية 3% فقط من النّاتج المحلي الإجمالي العالمي، وعليه، فإنّ آثار تغيُّر المُناخ في إفريقيا ستكون غير مرئية إلى حدّ كبير في الإحصاءات الاقتصادية الإجمالية.
وسبق أن شدّد مدير العمليات في البنك الدولي، أكسل فان، على هامش منتدى دافوس 2023على أهمّية هذا الملف، معتبرًا أنّ تجاهله قد يؤدّي إلى وقوع 130 مليون شخص آخرين في الفقر.
تراكم تلوّث على مدى 150 سنة
في هذا الإطار، يقول رئيس حزب البيئة العالمي، دوميط كامل، لموقع "الصفا نيوز" أنّ "ما شهده العام 2023 من أحداث بيئية هو نتيجة تراكم أعمال مضرّة للبيئة منذ 150 سنة إلى اليوم، إذ وصلنا إلى تلوّث بيئي خطير محلّياً وعالمياً وإقليمياً".
وعن لبنان، اعتبر أنّ "لبنان كان من أهمّ البلدان البيئية في العالم، وكان لديه أنظف مياه وهواء وطبيعة وشواطئ وأنهر وينابيع، جعلت منه من أجمل بلدان العالم. إلّا أنّ المشكلات البيئية بدأت تتكاثر في سبعينيات القرن الماضي وتهاوت البيئة اللبنانية السليمة شيئاً فشيئاً إلى العام 2000 عندما وصلنا إلى مرحلة خطيرة جداً تشمل تلوثًا هوائيًا وغذائيًا وبحريًا. وتراكم هذا التلوّث لنصل إلى ما نحن عليه اليوم في الـ 2024.روعلى الرّغم من ذلك، فإنّ بعض المناطق الجبلية العالية في لبنان لا تزال من الأنظف عالمياً".
وأضاف: "في العام 2023، شهدنا مياه صرف صحي تصبّ في الأنهر بشكل مكشوف ويعاود استخدامها لريّ المزروعات. في حين عانت مناطق أخرى من أحواض مجارير صرف صحي، تسلّلت إلى المياه الجوفيّة ولوّثتها. في المقابل تعمل في لبنان 5 محطّات تكرير مياه الصرف الصحي فقط من أصل 500 محطة، والعدد الباقي متوقّف عن العمل ويحتاج إلى صيانة".
جراثيم وأمراض
وحذّر كامل من أنّنا "قطعنا الخطوط الحمراء، ووصلنا إلى تلوّث خطير يدفع ثمنه الشعب كله. فالتلوّث البيئي في لبنان أدّى إلى تكاثر الجراثيم وانتشار الأمراض، التي شملت جميع المواطنين وهدّدت صحّتهم. فبسبب التلوّث الخطير فإنّ أكثر من 50 % من حالات المرضى في المستشفيات مردّها إلى تسمّم غذائي ومائي وهوائي، في ظلّ غياب المعالجات".
وتابع "هناك أكثر من 130 ألف بئر ارتوازية مستخدمة للصرف الصحي، والينابيع جميعها أُصيبت بتلوّث الصرف الصحّي. أمّا مكبات النفايات العشوائية، فتجمع النفايات غير المعالجة من طبية وصناعية ومنزلية، وتردم بالتراب والصخور، فتتسرّب إلى جوف الأرض وتسمّم المياه الجوفية. في المقابل "يفوتر" المتعهدون فواتير وهمية للدولة مدّعين إنها تكلفة معالجة النفايات. وخير دليل على ذلك جبل النفايات الجديد في منطقة برج حمود والدورة، ونتائجه الكارثية على الثروة السمكية وعلى سكّان المنطقة. علمًا أن هذه النتائج ستتراكم مع السنين وسيستمر أثرها الفعلي بعد 100 عام، وهناك الكارثة".
تلوث مياه وتربة
في لبنان أيضًا، بحسب كامل، "أكثر من 60 جورة رئيسية لمياه الصرف الصحّي تصب في البحر دون أيّ معالجة، وهو ما أدّى إلى تلويث الشاطئ البحري بشكل جنوني. في حين أن لبنان هو الدولة الوحيدة التي ترمي نفاياتها في البحر المتوسط من دون معالجة. ووصلت نفاياتنا إلى شواطئ الدول الأوروبية وأفريقيا".
أمّا في ما يتعلق بواقع الأحراج، فحدّث ولا حرج، يقول كامل، إذ "تمّ اقتطاع أكثر من 500 ألف شجرة صنوبر من دون أيّ محاسبة أو ملاحقة فعليّة للمرتكبين. أمّا قيمة شجر الوزال ومشتقّاته من الأشجار في الجبال التي قطعت، فتصل إلى 10 ملايين دولار. وما يحصل هو عملية وحشية تدمّر الثروة الحرجية. الفاعلون لا يكتفون بعمليات قطع الأشجار، بل ينتزعون جذورها من عمق الأرض، وهو ما يمحو وجود الشجرة ويشوّه المعالم البيئية للمنطقة. وإلى قطع الأشجار تنضمّ الكسّارات التي تدمّر جبالنا وتشوّهها وتضرب التنوّع البيولوجي".
المطلوب إستراتيجيات عالمية موحدة
ورأى كامل أنّ "المواضيع البيئية في ظلّ التغيير المناخي والاحترار العالمي هي مواضيع عالية الأهمية وتحتاج إلى بحث ودراسات معمّقة. وعلى الرّغم من أنّ مؤتمر كوب28 الذي عقد في الإمارات في العام 2023 تمكّن من تأمين تمويل لمشاريع معيّنة، فإننا نحتاج إلى عشرات السنين لوضع الإستراتيجيات المطلوبة لمكافحة التغيير المناخي، وخطّة عمل وجهوزية مواجهة. وهو ما ينقضنا اليوم. فنحن بحاجة إلى إستراتيجية عالمية موحّدة لحماية البيئة. فدول العالم كلها تدفع ثمن التلوّث. وما نحتاج إليه هو إستراتيجية كبيرة لتأمين أسطول شاحنات ونقل وصناعة تستخدم الطاقة البديلة مع خفض كمّيات الوقود الأحفوري الذي يستخدم بكميات مخيفة يوميًا".
وعن سبب إهمال الملف البيئي يختم دوميط كامل: "المشكلة تعود إلى ندرة أصحاب الاختصاص، في ظلّ ضعف ثقافة وقلّة اطّلاع أفراد المجتمع على القضايا البيئية. فيما الحكومة لا تملك استراتيجية بيئية واضحة، أو دراسة للأثر البيئي، ولا خطط أو مشاريع بيئية".