بين حرب الميدان والمساعي الدبلوماسية تسارع خطى وتطوّرات تنذر بأنّ الحرب واقعة، وأنّها ستكون معبراً إلى تسوية لم يزل الحديث عنها خجولاً. يصل إلى لبنان الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في محاولة جديدة لتنفيذ القرار 1701 لتأمين عودة المستوطنين إلى مستوطناتهم على الحدود الشمالية من ناحية إسرائيل. الجواب على مبادرته التي لم تتضح معالمها بعد قد يكون وصل في خفايا رسائل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله التي سيستكملها اليوم.
وليس من باب المصادفة أن تتوالى الاغتيالات لقادة في محور المقاومة في غضون ساعات وليال. من لبنان وقصف الضاحية الجنوبية الذي أودى بحياة الشيخ صالح العاروري، إلى الانفجارين على مقربة من ضريح الحاج قاسم سليماني في طهران، ثمّ اغتيال مسؤول حركة النجباء "أبو تقوى" في العراق، وقبلهم اغتيال المسؤول الإيراني رضي الموسوي في سوريا. تسابق أحداث بين ميدان عسكري وآخر أمني على نحو يؤشّر إلى أنّ الآتي أكثر سوءاً.
من الصّعب أن يخرج قاصد حزب الله بجواب شاف عن احتمالات الحرب من عدمها. فالجواب ليس نافياً للحرب ولا حاسماً لوقوعها وبين الفرضيتين، فإحتمالات وقوعها ليست معدومة ما دام رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو يبحث عن فرصة يعوّض من خلالها الخسارة في ميدان غزّة. لم يحقّق أهدافه العسكرية بالقضاء على حماس، فانتقل إلى تنفيذ الاغتيالات بضوء أخضر أميركي. في تحليل حزب الله إنّ نتنياهو يسعى إلى استدراجه لحرب يعوّض من خلالها خسارته، ويحيّد أنظار العالم عن جرائمه في غزّة. لن يمنحه فرصة لذلك ولن يكون المبادر إلى الحرب إلّا متى وجد ذلك ضرورة قصوى فحينذاك لا حول ولا قوّة.
يؤكّد حزب الله، حسب المطّلعين على ميدانه العسكري، أنّه في كامل الجهوزية لأيّ حرب مقبلة. غير أنّ هذه الحرب متى وقعت فلن تكون كسابقاتها من الناحية العسكرية وأنواع الأسلحة التي ستستخدم خلالها.
جبهتان تهزّان نتنياهو حالياً هما جبهة الشمال، أي جبهة النّازحين ومسألة الأسرى
في كلمته بدا الأمين العام لحزب الله واضحاً جازماً أنّ الحرب ليست خياراً لحزب الله، لكنّها إن وقعت فستهدّد إسرائيل من العمق، بدليل إشارته إلى غوش دان وهي المنطقة الجغرافية النابضة لإسرائيل وعمقها الاقتصادي، ساخراً من تبرير إسرائيل لاغتيال العاروري على أنّه لا يشمل حزب الله ولا يقصد به ضربه أو ضرب الضاحية الجنوبية. يمكن إسرائيل أن تبادر إلى الحرب وإن فعلت فلن يكون بمقدورها وقفها إلّا متى حقّق حزب الله أهدافه من خلالها، أمّا في ما يتعلق بالثأر لاغتيال العاروري فإنّ الردّ قائم ومستمرّ من خلال جبهة الجنوب، وما تشهده، وهو يصيب الجيش الإسرائيلي ويوقع أفراده بين قتيل وجريح، فضلاً عن الدمار الذي لحق بالمستوطنات. يؤكّد حزب الله أنّ السيّد متى وعد فهو لا يخلف، ولكنّه ينتظر من الإسرائيلي أن يحدّد ساعة البداية ولا نيّة لديه لافتعال حرب، لكنّ الردّ قائم جنوباً وليس معروفاً إلى أين يمكن أن تتدحرج الأوضاع، كما لا يمكن تقدير نيات إسرائيل واحتمالات أن تدخل في حرب مفتوحة على كلّ الجبهات. لكن بغضّ النّظر فإنّ المقاومة على جهوزية تامّة. وتالياً للمقاومة قدرة على مواصلة الصمود بعد 90 يوماً من الحرب على غزّة والإجرام الإسرائيلي بحقّ الأطفال والنّساء والرجال المدنيين.
في تقديره، ليس الاغتيال إلّا محاولة تعويض عن خسارة مني بها الإسرائيلي في غزّة، ويبحث عن تعويض خارجها وقد تراجعت أهدافه من القضاء على حماس إلى شلّ قدراتها باستهداف قادتها، كما أنّ الحرب التي يقودها نتنياهو أودت بحياة عدد من الأسرى الإسرائيليين لدى حماس والجهاد.
الاستهدافات هي جزء من المعركة ومحاولة ضغط على محور المقاومة. لم يعد لرئيس وزراء إسرائيل ما يخسره. ولن يمنح ورقة تنجّيه من فشله وتحول الأنظار عن إخفاقاته، ولكنّها هذه المرّة ستكون مختلفة عن أيّ من المرّات السابقة. فالدخول في الحرب، وإن حدّده نتنياهو، سيكون عاجزاً عن تحديد النّهاية، وسيكون التصدّي لهذه الحرب بشراسة من محور المقاومة .
جبهتان تهزّان نتنياهو حالياً هما جبهة الشمال، أي جبهة النّازحين ومسألة الأسرى. لم يعد بمقدروه تحمّل الضغوط عليه من النّازحين العاجزين عن العودة إلى مستوطناتهم، عدا أنّه عاجز بعد ثلاثة أشهر من الحرب عن معرفة أماكن وجود الأسرى وتحريرهم. ويعتبر حزب الله أنّه في خضم المعركة ويخوضها يومياً على جبهة الجنوب التي من أهمّ الجبهات التي تلحق الأذى بالإسرائيلي.
وعلى وقع الميدان يعود الموفد الأميركي إلى لبنان في محاولة جديدة لإيجاد حلّ دبلوماسي ووقف جبهة الجنوب. في زيارته الأخيرة كان عرض تنفيذ القرار 1701 وتراجع عناصر حزب الله إلى شمال الليطاني. يومذاك كان ردّ الثنائي أن لا حديث إلّا بعد وقف إطلاق النّار في غزّة. اليوم توسّعت رقعة المواجهات وباتت جبهة الجنوب تعيش حالة حرب حقيقية بفعل عشرات العمليّات التي ينفّذها حزب الله يومياً، والعدد الكبير من الشهداء الذي سقط في صفوف عناصر حزب الله. مستبقاً زيارة الموفد الأميركي، قلّل نصر الله من أهمّيّة البحث عن حلول ديبلوماسية للقرار 1701 وقال إنّ القوّة لا تقابلها إلّا القوّة، أي أنّ الكلمة للميدان الآخذ في التوسّع.
عشية وصول هوكشتاين رفع نصر الله من سقف تهديداته مغلّباً لغة التهديد بالحرب على ما عداها، خاصّة أنّ الاعتداءات الإسرائيلية أصابت هذه المرّة عمق الضاحية الجنوبية، وهذا يفرض ردّاً على مستوى الحدث الذي يصرّ حزب الله على حصوله ولو بعد حين. مجرّد سقوط نتنياهو هو هدف. فكيف إذا كان على خلفية هزيمة أُلحقت بجيشه وأصابت إسرائيل بمقتل.