لامس العدو الإسرائيلي مساء أمس، الخطوط الحمراء وقصفت مقاتلاته الضاحية الجنوبية لبيروت للمرّة الأولى منذ انتهاء عدوان تموز 2006، والهدف كان اجتماعاً لحركة حماس، ما أدّى إلى استشهاد نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري، إلى جانب اثنين من قادة القسام "سمير أفندي" و"عزام الأقرع"، و4 كوادر آخرين في الحركة هم محمود زكي شاهين ومحمد بشاشة ومحمد الريس وأحمد حمود.
وفي حين أجمع المحلّلون والباحثون في الشؤون العسكرية على أنَّ حدثاً من هذا النوع يُعتبر بمثابة إعلان حرب شاملة على لبنان، بقي جيش العدو بحالٍ من الاستنفار والتأهّب التّام جنوباً، استعداداً لأيّ سيناريو قد يُؤخّر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كتابته إلى ما بعد كلمته مساء اليوم، حيث يلقي خطاباً كان مقرراً في الذكرى الرابعة على اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الحاج قاسم سيلماني ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس.
من جهتها، لا تبدي أوساط مراقبة الكثير من الدهشة حيال ما حصل، معتبرةً أنّ ما قام به العدو على مدار الأيام العشرة الأخيرة بدءاً من سحب ألويته من شمالي قطاع غزة (8 ألوية والإبقاء على 4 فقط)، والحديث عن إنشاء مناطق عازلة شمال القطاع، فضلاً عن وضع عودة مستوطني الشمال عند الحدود مع لبنان في إطار الأولوية القصوى، كُلّها تشي بأنّ "اسرائيل" كانت وما تزال عازمة على استفزاز المقاومة جنوباً من خلال توسيع قواعد الاشتباك، ومن الدلائل على ذلك استهداف الأحياء السكنية في بعض المناطق الجنوبية في كفركلا وعيتا الشعب وغيرها.
وتشير الأوساط نفسها إلى أنّ كأس الهزيمة في غزّة سيكون تجرّعه صعباً جداً على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد نحو شهرين من توغّله البرّي ورفعه شعار القضاء على حماس التي حوّلت مئات الآليات الإسرائيلية إلى مجرّد خردة، فضلاً عن قتلها وجرحها للمئات من الجنود الإسرائيليين وفق إعلان العدوّ نفسه، فيما الأرقام الفعلية قد أصبحت بالآلاف.
واشنطن لم تعد قادرة على مجاراة نتنياهو الهادفة إلى توريطها بمواجهة مع إيران
وتوضح أنّ نتنياهو لا يألو جهداً لاستدراج حزب الله إلى حرب شاملة تُعيد إليه زمام المبادرة داخلياً ودولياً بعدما علت الأصوات المنتقدة في تل أبيب أخيراً، خصوصاً بعد القرار الأخير للمحكمة العليا الذي ألغى التعديلات القضائية "المثيرة للجدل"، مرجّحةً في الوقت نفسه أن يستوعب الحزب ما حصل أمس ويبقي على قواعد الاشتباك المعمول بها منذ الـ8 من تشرين الأول الفائت.
كذلك، تلفت الأوساط إلى أنَّ إسرائيل تعلم جيّداً أنّ المقاومة قادرة على توجيه ضربة عسكرية كبيرة نحو إسرائيل تقلب من خلالها الموازين في الداخل الإسرائيلي المنهك على أكثر من صعيد اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، ورغم أنّها ما تزال تدرس هذا الخيار بشكل دقيق، إلّا أنّها لن تهدي نتنياهو فرصة إنعاشية لإدراكها أنّ أيّامه باتت معدودة، خصوصاً بعدما ظهرت إلى السطح المؤشرات الأميركية التي تفيد بأنّ واشنطن لم تعد قادرة على مجاراته الهادفة إلى توريطها بمواجهة مع إيران بعد توسيع المواجهة مع المقاومة، وهذا ما يفسّر قرارها بالأمس في سحبها لحاملة الطائرات الأميركية "يو أس أس جيرالد فورد" من البحر المتوسط، ولاحقاً تأجيل زيارة وزير الخارجية انتوني بلينكن لتل أبيب حتّى الإثنين المُقبل.
وبناءً عليه فإنّ كلّ ما حصل وسيحصل يبقى رهن جنون نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت وقدرة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على لجمهما، والتي تنطلق مع طهران من مصلحة مشتركة أولها قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية وهي تعزيز موقع بايدن في الانتخابات المقبلة على حساب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي أمر باغتيال سليماني والمهندس على بعد 4 سنوات من اليوم.
ومن حيث الشكل فقد كانت الضربة الإسرائيلية خاطفة ودقيقة جداً، إذ إنّ رفاق العاروري الذين استشهدوا معه من أرفع القياديات القسامية في الخارج، فـ"أفندي" الملقب بـ"أبو عامر"، مسؤول العمل العسكري لحركة حماس في جنوب لبنان، وكان قد أدرجه جهاز الشاباك الإسرائيلي في تموز الفائت على لائحة الاغتيالات، بينما يتولى الأقرع وهو أسير محرر وأحد مبعدي مرج الزهور، الملف العسكري للحركة في الخارج.