انتزع مؤتمر كوب 28 المعني بتغيّر المناخ، عن جدارة لقب "حدث العام 2023"، فالمؤتمر الذي عقد في دولة الإمارات العربية المتحدة، تمكّن من رفع سقف الآمال والطموحات نحو مخرجات استثنائية تشكّل مرحلة فارقة في تاريخ العمل المناخي، وكادت تعلن نهاية عصر الوقود الأحفوري وتحضير الأرضية لعصر جديد صديق للبيئة. فما عاشه كوكب الأرض هذا العام لم يكن بالأمر السهل، بعد أن خرجت آثار تغيير المناخ إلى العلن، على شكل ظواهر مناخية متطرّفة وقاسية من حرائق غابات وموجات جفاف وفيضانات مدمّرة، رفعت درجات الحرارة إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، فأنهت عاماً حرجاً شهد الكثير من الحوادث المناخية القاسية.
التخلّص من الوقود الأحفوري
ضمّ مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ أو كوب 28، العديد من الأحداث المهمّة والقرارات السبّاقة، وتمّ طرح ملفات ساخنة على مائدة المفاوضات، وكان على رأسها طرح وللمرّة الأولى مسألة التحوّل عن استخدام الوقود الأحفوري المسؤول عن الاحتباس الحراري في كوكب الأرض، وهو مطلب رئيسي من جانب العديد من البلدان في محادثات هذا العام. حيث وافقت الدول الأطراف في الاتفاقية على خارطة طريق تهدف إلى التحوّل بعيداً عن الوقود الأحفوري، لتجنّب أسوأ آثار تغيّر المناخ. ووافق على الاتفاقية 197 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي. وخلال ثلاثة عقود من محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ، لم يسبق أن تعهدت الدول الأطراف بمثل هذا الوعد الحاسم على الرغم من أنّ الكثيرين حذّروا من أنّ الصفقة لا تزال تشوبها عيوب كثيرة.
وقال علماء من الاتحاد الأوروبي، إنّ عام 2023 سيكون العام الأكثر دفئا على الإطلاق، وأكثر الأعوام احترارًا منذ تاريخ القياس. إذ بلغ متوسّط درجات الحرارة العالمية خلال الأحد عشر شهراً الأولى من العام، الأعلى على الإطلاق، وأصبح أعلى من 1.46 درجة مئوية عن مستويات المتوسّط بين عامي 1850 و 1900.
وبحسب هيئة كوبرنيكوس لتغيّر المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي، فإنّ درجة الحرارة التي جرى تسجيلها في الفترة من كانون الثاني إلى تشرين الثاني 2023 كانت أعلى بمقدار 0.13 درجة مئوية عن متوسّط الفترة نفسها من عام 2016، والذي يعدّ حالياً العام الأكثر دفئاً على الإطلاق.
ووفقًا لمؤسسة ديلويت، فإنّه كلّما ازداد ارتفاع درجات الحرارة أصبح العالم أكثر عرضة للمزيد من تداعيات التغيّر المناخي من كوارث طبيعية وغيرها، وهو أمر قد يكبّد الاقتصاد العالمي ما يصل إلى 178 تريليون دولار حتّى العام 2070.
اتفاق باريس
وفي هذا الإطار، يقول الخبير البيئي، وائل حميدان، في حديث خاص لموقع "الصفا نيوز" أنّ "كوب 28 تضمّن أول حصيلة عالمية لتقييم التقدّم المحرز نحو تحقيق الأهداف المحدّدة في اتفاق باريس، وهي الحدّ من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية في نهاية القرن مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية، وتمّ استعراض التزامات الدول في خفض الانبعاثات كلّ خمس سنوات، وتوفير التمويل المتعلّق بالمناخ للدول النامية."
وأَضاف "تُسلِّم الوثيقة النهائية لاتفاق كوب 28 بأنّ الوصول إلى هدف اتفاق باريس بالحدّ من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية دون تجاوز أو تجاوز محدد يتطلّب إجراء تخفيضات عميقة وسريعة ومستمرّة في انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بنسبة 43% بحلول عام 2030، و60% بحلول عام 2035 مقارنة بمستوى عام 2019، والوصول إلى صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول العام 2050. فضلاً عن التخلّي عن اقتصاد الوقود الأحفوري أي اقتصاد النّفط، وهي رسالة سياسية تؤكّد على أنّ الدول النامية والمتطورة كالصين وغيرها، اقتنعوا بأنّ حل أزمة المناخ يبدأ بالتخلي عن الوقود الأحفوري. فيما المؤسسات الدولية ستوقف تمويل ومساعدة أّي استثمارات تتعلّق بالوقود الأحفوري. كما أنّنا شهدنا اتّحاد مجموعة من المستثمرين تحت مظلّة شبكات للمستثمرين أهمها شبكة "سيريس" و"we mean business" لأهم الشركات الضخمة، بمجموع استثمارات تفوق الـ23 تريليون دولار، بدأوا يحوّلون استثماراتهم من الاقتصاد النفطي إلى الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة. والأخيرة تخطّت بأسعارها وكفاءتها طاقة الوقود الأحفوري. كما يؤكّد البنك الدولي أنّ تبنّي اقتصاد الطاقة المتجددة أنسب للاقتصادات العالمية من ناحية الوظائف والكلفة المنخفضة والتنمية السريعة".
100 دولة وافقت على زيادة استخدام الطّاقة المتجددة ومضاعفة استخدامها بـ3 مرّات
انعكاسات قرارات كوب 28 على لبنان
ورأى حميدان أنّه "لا شكّ بأن قرارات كوب 28 ستؤثّر بشكل رئيسي على لبنان الذي يعتبر أنّ نهوض الاقتصاد سيكون من الثروة النفطية والغاز في البحر، فيما أصبح هذا الرهان عملية خاسرة اليوم، مع التحوّلات العالمية. فالأرقام في لبنان تثبت حتّى الآن أن لا ثروة غازية أو نفطية كبيرة كما كان متوقّعاً، وأهميتها تنخفض مع الوقت مع القرار السياسي الدولي بالابتعاد عن الوقود الأحفوري، ونحن كمجتمع مدني نطالب بالابتعاد عن هذه الورقة التي تعتبر خسارة اقتصادية. بالإضافة إلى أنّنا ندخل إلى عصر نفطي في الوقت الذي يتخلّى عنه الكوكب".
وأِشار إلى أنه "تمّ تنفيذ دراسات عن الاقتصاد الأخضر في لبنان، وأظهرت أنّه الخيار الأفضل للبنان كي نكون أوّل الداخلين على هذا السوق لنقطف تفضيل المستثمرين، ونصبح من أوائل الأسواق التي تفضّل الاقتصاد الأخضر على غرار الاقتصاد الأوروبي. فيما معظم التمويل من الجهات المانحة والتي نحن بأمسّ الحاجة إليها ستكون أنجح إذا ما تبنّى لبنان الاقتصاد الأخضر عبرها".
كما تمّ الحديث عن طريقة استخدام الطّاقة بكفاءة "energy efficiency" والتي تساعد الاقتصادات وتدفع إلى تحسين استخدام الطّاقة. كما تمّ طرح إنشاء 3 صناديق تمويل ضمن إطار مكافحة تغيير المناخ، ويمكن للبنان الاستفادة منها، وهو سبق واستفاد من الصندوق الأخضر العالمي، ولكن ليتمكّن من الاستفادة من هذه الصناديق عليه أن يثبّت التزامه بالاقتصاد الأخضر".
وبالنسبة للدولة التي أكّدت التزامها يقول "لا شكّ بأنّ أوروبا التزمت، إلّا أنّه برزت دول نامية أيضا كأميركا اللاتينية، وبعض بلدان آسيا. فيما الصين أصبحت قيادية في موضوع الطاقة المتجددة حيث أنّ معظم الصناعات أصبحت تقودها الصين، من سيارات كهربائية وغيرها".
ملف التمويل المناخي
من جهته رأى المهندس سليم خليفة، نائب رئيس الحركة البيئية اللبنانية، والمنسّق الوطني في لبنان للشبكة العربية للبيئة والتنمية، في حديثه لموقع "الصفا نيوز" أنّ "كوب 28" هو "واحد من أكبر مؤتمرات الأطراف الذي يعقد حول العالم، وشاركت فيه حوالي الـ200 دولة، و80 ألف مشارك، وجرى التأكيد على الالتزامات التي تمّ الاتفاق عليها في السابق كالتمسّك بمسألة حصر حرارة الأرض بدرجة ونصف انطلاقاً من اتفاقية باريس في الـ2015. بالإضافة إلى تعهدات مالية لتمويل جهود مكافحة المناخ. في المقابل، برز حراك دولي في ملفّ التمويل، الذي يعدّ ملفّاً شائكًا، حيث أعلن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم، والذي صمّم لسدّ فجوة التمويل المناخي وتيسير الحصول عليه بتكلفة مناسبة. وهدف إلى تحفيز جمع واستثمار 250 مليار دولار بحلول عام 2030."
وأَضاف خليفة "كما حشد مؤتمر COP28 للمناخ أكثر من 83 مليار دولار كتمويلات مالية تجاه العمل المناخي في الأيام الخمسة الأولى، وهو إنجاز قياسي جديد يمثّل تحوّلاً لحقبة جديدة من التعاون العالمي بشأن تغيّر المناخ، وانفردت به النسخة الحالية من المؤتمر."
وتابع "تتضمّن هذه المبالغ تعهّدات هي الأولى من نوعها على الإطلاق، تشمل التحوّل في النّظم الغذائية وقطاع الصحة، بجانب إعلانات تتعلّق بالطاقة المتجدّدة وكفاءتها، ومبادرات تهدف لإزالة الكربون من الصناعات الثقيلة كثيفة الانبعاثات. كما تمّ تخصيص 150 مليون دولار من دولة الإمارات لحلّ المشاكل المتعلّقة بنقص الموارد المائية، وحلول الأمن المائي في المجتمعات الهشّة والضعيفة في العالم".
أبرز التعهدات الدولية
ومن بين أهمّ التعهدات أيضاً التي شهدها COP28 ورفعت بدورها سقف الطموحات في نتائج واسعة، يقول خليفة، "إعلان البنك الدولي عن أنّه يهدف إلى زيادة تمويل المناخ ليمثّل 45 بالمئة من إجمالي قروضه، وهو ما ينطوي على زيادة سنوية 9 مليارات دولار، جنباً إلى جنب إعلان بنك التنمية للبلدان الأميركية عن أنّه سيستثمر أكثر من ملياري دولار سنوياً حتّى 2030 في أمريكا اللاتينية لمكافحة تغير المناخ".
كذلك أعلن بنك التنمية الآسيوي عن أنّه سيخصّص عشرة مليارات دولار للاستثمار في الأنشطة المناخية بالفلبين بين عامي 2024 و2029. بالإضافة إلى تعهّدات مالية من اليابان وفرنسا، أعلنّا عن أنّهما سيدعمان خطة البنك الإفريقي للتنمية وبنك التنمية للبلدان الأميركية للاستفادة من حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي من أجل المناخ والتنمية. وتعهّدات بنوك إماراتية بحشد تريليون درهم أو حوالي 270 مليار دولار للتمويل الأخضر.
ويشار إلى أنّ إجمالي المساهمات المقدّمة لصندوق الخسائر والأضرار بلغ 726 مليون دولار بعد أسبوع من الإعلان عن تفعيله. علاوة على تعهدات بقيمة 5 مليارات دولار لصندوق المناخ الأخضر (أكبر صندوق دولي في العالم مخصص لدعم الأنشطة المتعلّقة بمكافحة تغير المناخ في البلدان النامية).
الدول التي لم تلتزم
ولفت خليفة إلى أنّ "بعض الدول كالسعودية والكويت والعراق رفضت الالتزام بالتخلّي التدريجي عن الوقود الأحفوري، تحقيقاً للحياد الكربوني، ولخفض الانبعاثات، حتّى عام 2050، لكونها من الدول المنتجة الأساسية للنفط".
وبالنّسبة للبنان، قال "كان هناك حضوراً رسمياً، إلى جانب حضور المجتمع المدني الناشط كثيراً، والذي تحدّث عن تأثّر لبنان بتغيير المناخ وارتفاع درجات الحرارة وارتفاع منسوب المياه في البحر وتأثير ذلك على القطاع الزراعي والاقتصادي"، لافتا إلى أنّه "وبعد أن توقف انتاج الغاز لأسباب سياسية تتعلّق بالحرب في غزة والتسويات في المنطقة، إلّا أنّه لا شكّ بأنّ إنتاج الغاز سيتوقف لكون 50 شركة غاز من أهمّ الشركات العالمية وافقت في كوب 28 على الحدّ من الانبعاثات غاز الميثان النّاتج عن طريقة حرق الغاز الروتينية".
وأكّد خليفة أن "100 دولة وافقت على زيادة استخدام الطّاقة المتجددة ومضاعفة استخدامها بـ3 مرّات".