بموازاة ارتفاع وتيرة الحرب على الحدود الجنوبية تمارس إسرائيل ضغوطاً سياسية وديبلوماسية لتحقيق ما تصبو إليه، وإجبار لبنان على تنفيذ القرار 1701، من جانب واحد. وفي إطار التّهويل يمكن وضع زيارة وزير الخارجية الإسرائيليّة إيلي كوهين الحدود مع لبنان برفقة بعض السفراء وإطلاق التهديدات ضدّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وكذلك قول عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس أنّ "الوضع على الحدود الشمالية يلزم بالعمل نحو حلّ سياسي، وإن لم يتمّ ذلك فجيش الدفاع جاهز للعمل". تهديدات يتعاطى معها لبنان الرسمي كما حزب الله على أنّها محاولات ضغط لإجبار لبنان على تنفيذ القرار الدولي، ولزيادة الشرخ الداخلي حيال المواجهات التي يخوضها حزب الله ضد إسرائيل جنوباً.
تلك المواجهات تزداد حدّة، حيث يرتفع معدّل العمليات التي يشنّها حزب الله إلى ما يزيد على العشرة عمليات يومياً، تُستخدم فيها أسلحة مختلفة ومسيّرات. وهي تحصل على حدود فاصلة بين "شمال إسرائيل" الفارغ من مستوطنيه، وجنوب لبنان الذي يشهد نزوحاً جزئياً. وعلى عكس ما يحاول البعض إشاعته في الدّاخل والتركيز على أن حزب الله فتح جبهة في غير محلّها لا تحقق غايتها المرجوّة، فإنّ جبهة الجنوب في حسابات حزب الله كما حركة حماس هي جبهة دعم وإسناد وإشغال لإسرائيل، جعلتها تستنفر جيشها الاحتياط وتستعين بتكنولوجيا أكثر من متطوّرة لمواجهتها. يرفض حزب الله الدخول في تفسيرات سياسية وتحليلات، ملتزماً بقول أمينه العام أنّ الكلمة للميدان اليوم وبناء عليه يتحدّد مستقبل الوضع سواء في غزّة أو في لبنان. ساحتان مترابطتان تتحكم إسرائيل بهما من ناحية التصعيد أو تراجع حدّة المعارك.
حين تصعّد عمليّاتها فسيردّ حزب الله حكماً ردّاً متوازناً مع ضرباتها. تؤكّد مصادره المتابعة لسير المعارك جنوباً أنّ "من أهداف عدوان إسرائيل منع حزب الله من أن تكون المبادرة في يده وتوجيه ضربات لا قدرة له على توجيهها في ظروف أخرى، كما تسعى إسرائيل إلى إبقاء الجبهة الشمالية مشتعلة لأنّها لا تعلم عواقب المعركة في غزة".
تحرص المصادر عينها على نقل تفاصيل المعاركة جنوبا وتؤكد لـ"الصفا نيوز" أنّ المبادرة حالياً "بيد المقاومة التي تغير تكتيكها الحربي بما يتلاءم وطبيعة المعركة وظروفها الميدانية". وتقول "يتعامل حزب الله بالمثل في المعركة، ويردّ على ضربات إسرائيل بضربات مشابهة على المستوطنات داخل فلسطين المحتلّة. بيت مقابل بيت ومبنى مقابل مبنى ومدنيون مقابل مدنيين".
مقارنة بين ساحتي الحرب في الجنوب اللبناني و" الشمال الإسرائيلي" فقد انسحب سكان القرى الجنوبية المحاذية إلى الصفوف الخلفية أي نزوح جزئي، بينما غادر نحو 120 ألف مستوطن منازلهم في المستوطنات، واتّهموا الحكومة بالعجز عن تأمين ملاجئ آمنة أو تمكينهم من العودة قريباً إلى ديارهم. يشكّل هؤلاء عامل ضغط متواصل على إسرائيل، ويظهر مدى عجزها عن حماية مواطنيها في الداخل.
أمّا عسكرياً فيعتبر حزب الله أنّه "من الطبيعي في ظلّ التصعيد الإسرائيلي أن يكون هناك تصعيد بالمقابل، وكما في غزّة كذلك في لبنان ولاسيما حين يتمّ اغتيال قادة في سوريا فيكون ذلك كمؤشر إلى احتمال توسّع نطاق العمليات حكماً من ناحية الجنوب اللبناني".
قبل يومين نفّذ حزب الله عملية مشتركة مستخدماً ثلاثة أنواع من الأسلحة دفعة واحدة، ويوماً بعد يوم تتكشّف إمكانياته العسكرية وقدراته العسكرية، والتي يقول أنّه لم يكشف منها أكثر من نسبة العشرة بالمئة، ولكن ورغم ذلك فلا تزال إسرائيل تتفوّق في مواجهاتها من ناحية التكنوجوجيا المتقدمة، فضلاً عن سلاح العملاء المتواجدين على أرض الجنوب والذين كانوا سبباً في ارتفاع أعداد الضحايا ورصد إسرائيل للمزيد من الأهداف.
ينتقد حزب الله الأصوات التي تشكّك في جدوى جبهته في الجنوب ولو تجنّب فتح سجالات علنية مع المشكّكين، ويقول أنّ أهمية الجبهة الجنوبية يدركها كلّ من حماس والجيش الإسرائيلي الذي سحب جنوده من غزّة وأبقى على جنود الاحتياط وهؤلاء ليسوا دائمين. يكفي أعداد القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي، وأن 90 بالمئة من قدرة الرصد متفرّغة للمناطق الحدودية، وقد تمّ تعطيل 4 بطاريات من أصل 7 في القبة الحديدية في الشمال.
فُتحت الجبهات على مداها من سوريا إلى الجنوب في سعي إلى تغيير قواعد الاشتباك القديمة بأخرى جديدة
تمضي المصادر قائلة "ليس صحيحاً أنّ جبهة الجنوب لا فائدة منها بدليل ضغوط إسرائيل والموفدين الفرنسيين والأميركيين المطالبين بتنفيذ القرار 1701، ومطلبهم الملحّ ليس بعدم تطبيق القرار 1701 بل يرجون عودة جنود حزب الله إلى حيث كانوا يقيمون تحت الأرض وتراجعهم من المناطق المحاذية للحدود". كاشفة عن عرض فرنسي لحزب الله بإمكانية سحب إسرائيل من أراضي شبعا وتلال كفرشوبا مقابل تراجع عناصر حزب الله .طروحات التزم حزب الله الصمت حيالها مقدّما نتائج الميدان على ما عداها. وطالما أنّ جبهة غزّة مشتعلة فوتيرة المواجهة على جبهة الجنوب ستكون متصاعدة حكماً، وهذا جواب الحزب للموفدين المطالبين بوقف الحرب وللبنانيين في الداخل.
يلاحظ حزب الله وجود رأيين في إسرائيل، واحد يرغب بنهاية الحرب في لبنان اليوم قبل الغد، وثان يريد إطالتها كي لا يخضع للمحاسبة. لكن الملاحظ تراجع هدف إسرائيل من سحق حماس إلى البحث عن يحيى السنوار. وحين تعلن إسرائيل أنّ الحرب انتهت يعني أنّ حماس انتصرت وانتهى بنامين نتنياهو ولو اعتبر نفسه منتصراً.
ارتفاع شدّة المعارك وتوسّع رقعتها ألغى ما يسمّى قواعد الاشتباك التي لم تعد موجودة، بعدما تقصّدت إسرائيل استهداف قرى وبلدات خارج نطاق الحدود الجنوبية، وطاولت تلك الواقعة في قضاء النبطية شمال الليطاني في هدف يصبو إلى زيادة الضغطين العسكري والسياسي. ويؤكد حزب الله أنّ القواعد هذه قد تغيّرت بعدما كانت تنطبق على بقعة جغرافية محدّدة، أمّا اليوم فقد فُتحت الجبهات على مداها من سوريا إلى الجنوب في سعي إلى تغيير قواعد الاشتباك القديمة بأخرى جديدة. كلّ الاحتمالات لساحة الجنوب موضوعة في الحسبان، أمّا في حسابات السياسة فلا يبدو أن الأفق مقبل على تسوية أو حلّ قريب أو هدنة طويلة المدى، بدليل رفض حماس عرضاً مصرياً لوقف إطلاق النار. يعتبر الجناح العسكري لحماس والمتواجد في الداخل الفلسطيني أنّ الوضع على الأرض يمكّنه من الصمود طويلاً وأنّ ما كُتب قد كُتب، وطالما الخراب وقع فلا مجال للتراجع. نقطة الأمل الوحيدة تكمن في المسافة الضيّقة الفاصلة عن الشروع الاميركي في التحضير للانتخابات الرئاسية، ولذا منحت أميركا فترة إضافية لإسرائيل لإنهاء حربها، ويفترض أن تكون مهلة أخيرة لأنّ صبر الغرب بدأ ينفذ من حرب لم تحقّق أيّ غاية بعد.