ضربت حرب غزّة المواسم السياحية في جميع دول المنطقة المحيطة بفلسطين المحتلّة، وعلى رأسها الأردن ومصر ولبنان. حيث توقّع وزير السياحة والآثار الأردني، مكرم القيسي إنّ "استمرار الحرب في قطاع غزة سيكبّد القطاع السياحي في المملكة خسائر تتراوح ما بين 250 إلى 281 مليون دولار شهرياً".
وكشف الوزير القيسي أنّ "نسبة إلغاء الحجوزات اليوم بلغت حوالي 60 بالمئة، وإذا ما أردنا أن نعكس هذا الرقم بما يتعلّق بعدد الزوار، نحن نتكلّم عن حوالي 200 ألف الى 250 ألف زائر، وإذا أردنا أن نعكس هذا الرقم على الدخل السياحي، فنحن نتحدّث تقريباً عن 180 الى 200 مليون دينار (253 إلى 281 مليون دولار) بما يمثل خسارة للاقتصاد الكلّي".
في الإطار نفسه، أكّدت نائبة وزير السياحة والآثار في مصر، غادة شلبي "تأثير الحرب في غزّة على السياحة في مصر، مشيرة إلى أنّها "تختلف وفقاً للمنطقة وطبيعة السوق السياحية". وأوضحت شلبي أن "هناك مناطق تأثّرت بشكل كبير وحصل فيها إلغاءات في الحجوزات مثل طابا (جنوب سيناء)، فيما لم تتأثر مدن أخرى مثل الأقصر والغردقة بنفس الدرجة".
وكان علاء عقل، رئيس لجنة تسيير أعمال غرفة المنشآت الفندقية في مصر، قال إنّ "نحو 90 في المائة من المنشآت السياحية (فنادق وكامبات) أُغلقت في مدينتي طابا ونويبع الواقعتين في سيناء على شاطئ البحر الأحمر".
ومن جهتها قالت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف، في تقرير نشرته أخيراً، إنّ "مصر ولبنان والأردن قد يخسرون ما بين 10 و70 في المائة من عائدات السياحة إذا استمرّت الحرب في غزّة أو اتسعت رقعتها".
عدد السواح في لبنان في الأشهر الـ10 الأولى
وفي لبنان، أظهرت أرقام وزارة السياحة أنّ عدد الزوّار القادمين إلى لبنان في الأشهر العشرة الأولى من العام 2023، بلغ 1,507,458 سائحاً بزيادة 21.1% عن العام 2021.
وبلغ إجمالي الزوار من الدول الأوروبية 622.763 سائحاً ويشكّلون 41.3% من الزوار الوافدين في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023، تليها الدول العربية بـ 381,334 زائراً (25.3%)، الأميركيتان بـ 311,900 سائح (20.7%)، وآسيا بـ 70,698 زائرًا (4.7%)، وأوقيانوسيا 68.152 زائرًا (4.5%)، وإفريقيا 52.512 سائحًا (3.5%). وقد ارتفع عدد الزوار من آسيا بنسبة 41.4% في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، تليها أوقيانوسيا (+27.5%) وأوروبا (+25.6%)، الأميركيتان (+18.4%)، إفريقيا (+14.2%)، الدول العربية (+13.7%).
على مستوى الدولة، شكّل السياح العراقيون ما نسبته 12.8% من الزوّار في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023، يليهم الزوار من الولايات المتحدة (11%)، ألمانيا (8.7%)، فرنسا (8.4%)، كندا (6.9%)، مصر والسويد (4.2% لكل منهما)، الأردن (4.1%)، إنكلترا (3.5%)، تركيا (2.2%)، الكويت (1.6%)، إيطاليا (1.5%)، البرازيل (1.3%)، فنزويلا (0.5%)، المملكة العربية السعودية (0.3%)، الإمارات العربية المتحدة (0.05%)، وشكّلت بقية البلدان النسبة المتبقّية البالغة (28.7%).
الخوف من الحرب
إلّا أنّ هذه الأرقام شهدت تراجعاً في الشهرين الأخيرين من العام 2023، متأثّرة بالحرب في غزّة والقصف الإسرائيلي الذي تعرّض ويتعرّض له الجنوب اللبناني. حيث تخوّف عدد كبير من المغتربين من القدوم إلى لبنان، مع تأجيل وإلغاء عدد من الرحلات، وإعلان بعض شركات الطيران الأجنبية توقيف رحلاتها من وإلى بيروت.
إلّا أنّ هذه المخاوف بددها رئيس مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت فادي الحسن، الذي بدا متفائلاً وإيجابياً في تصريحاته الإعلامية حيث أعلن أنّ "حجوزات الرحلات إلى لبنان بدءاً من هذه الفترة حتى نهاية السنة الحالية كلها (مفوّلة)، فقد أبلغتنا شركات الطيران بموضوع التحسّن في عدد الوافدين إلى لبنان وزيادته خلال الفترة الحالية".
ولفت إلى أنّه "وبحسب المؤشرات الأخيرة، فقد شهدت الأسابيع الماضية توافداً للمغتربين اللبنانيين، على أعتاب أعياد نهاية السنة، كما شهدت زيادة في عدد الرحلات الجوية التي تقوم بها شركة "طيران الشرق الأوسط"، معتبراً أنّ "الأهم هو عودة عدد من شركات الطيران الأجنبية إلى تسيير الرّحلات باتجاه بيروت، بعدما علّقتها منذ بدء الحرب على قطاع غزّة، الأمر الذي أثّر على المنطقة المحيطة والخشية من اتساع نطاق الاشتباكات في جنوب لبنان".
عدد الرحلات زاد
من جهته قال نائب رئيس نقابة أصحاب مكاتب السياحة والسفر نبيل مرواني، في حديثه لموقع "الصفا نيوز"، إنّه "لا شكّ أنّ المنطقة جميعها تأثّرت بالحرب القائمة في غزة، وخصوصاً الدول المحيطة بفلسطين والتي تأثّر الموسم السياحي فيها، إلّا أنّ الوضع ليس دراماتيكي لدرجة أن تنخفض نسبة السوّاح والمغتربين كثيراً خصوصاً أنّها تعدّلت في الأيام العشرة الأخيرة بفضل اللبنانيين المغتربين".
وعن قدوم المغتربين اللبنانيين إلى لبنان لقضاء عطلة العيد مع ذويهم على الرّغم من الوضع الأمني علّق بأنّ "لديّ قناعة أنّ اللبنانيين حالة فريدة وخاصّة المغتربين الذين هم العامود الرئيسي للاقتصاد اللبناني، وقد تأقلموا مع الأوضاع القائمة، وتعتبر تمضية الأعياد مع ذويهم مقدّسة".
وأكّد مرواني أنّ "عدد الرحلات في شهر كانون الأول زاد، والشركات التي أوقفت رحلاتها عادت إلى تشغيلها من وإلى لبنان. وصحيح أنّها ليست الحركة المطلوبة ولكن بلا بأس بها بالنّسبة لما يحصل والوضع القائم في المنطقة فهي جيدة".
وشدّد على أنّ "كلّ الدول تأثرت ومنها مصر والأردن. إلّا أنّ علاقة اللبنانيين المغتربين بوطنهم وأهلهم تبقى مميزة وفريدة وتأقلموا وتعاونوا والحرب لا تزال بعيدة عن البلد ونأمل أن يعيّدوا بأجواء هادئة".
وعن أعداد الزوار اعتبر أن "الأرقام وجهة نظر، ولكن يمكن الحديث عن قرابة الـ 13 ألف زائر يومياً، والنسبة غطّت حوالي الـ 70 في المئة من نسبة العام الماضي. إلاّ أنّ عدد الزوار لم ينعكس إيجاباً على حجوزات الفنادق، حيث أنّ معظم المغتربين يملكون منازل في لبنان، أو يقطنون لدى أقاربهم، حيث لم تسجّل نسبة حجوزات في الفنادق كما كان متوقعا".
"إلّا أنّه مما لا شكّ فيه أننا سنشهد حركة في العجلة الاقتصادية"، يتابع مرواني "وستستفيد منها المطاعم وأماكن السهر ومتاجر الهدايا. ما يؤكّد أنّ السياحة لا تزال من موارد الدّخل الجدّي للاقتصاد اللبناني ومصدر رئيسي للعملة الصعبة".
نتائج اقتصادية متواضعة
بدوره يلفت الخبير الاقتصادي أنطوان فرح في حديثه لموقع "الصفا نيوز" إلى أنّ "نتائج موسم الأعياد هذا العام كانت متواضعة، ولكنّها تبقى أفضل من لا شيء خصوصاً أنّه منذ حوالي الشهر كان هناك تشاؤم كبير وخوف من عدم قدوم المغتربين بشكل نهائي إلى لبنان، وكان هناك خوف من سفر قسم من اللبنانيين لتمضية الأعياد في الخارج، إلّا أنّ هذا الأمر تمّ تجاوزه نسبياً، خصوصاً أنّ لبعديد من المغتربين اللبنانيين في دول الخليج وبعض اللبنانيين في أوروبا جاؤوا إلى البلد لتمضية الأعياد وهذا تعويض مقبول، ولكن قبل 7 تشرين الأول كانت التوقعات أفضل وأكبر، وكانت القطاعات السياحية تتأمّل أن تصل الأرباح من موسم الصيف إلى الشتاء، وأن يكون هناك أعداد ضخمة من المغتربين والسواح الأوروبيين والعرب في لبنان، إلّا أنّ هذا الأمر لم يحصل".
واعتبر فرح أنّ "حصر الموسم السياحي في فترة الأعياد باللبنانيين فقط ينعش قطاع المطاعم ويضرب قطاع الفنادق، ما يعني أنّ جزءاً من القطاع السياحي سيتأذّى بشكل كبير جداً". وأشار إلى أنّ "استمرار الحرب في غزّة، والمؤشّرات التي قد تدلّ على أنّ الحرب ستكون طويلة، قد تبدأ بخلق قلق لدى القطاعات اللبنانية وخصوصاً السياحية منها، حيث سترتفع المخاوف والقلق من أن يتأثّر موسم الصيف المقبل في حال لم تنتهِ الحرب قبل الربيع المقبل".
لا نخاف الحرب
من جهته يقول المغترب اللبناني باقر فوعاني، في حديثه لموقع "الصفا نيوز"، "كمغتربين نعرف أنّ لبنان بحاجة إلينا ووجودنا في لبنان يعتبر وقفة إلى جانب الشعب اللبناني الذي يمرّ في هذه الظروف المأساوية الاقتصادية والأمنية الصعبة. ونحن نأتي إلى لبنان في الحرب والسلم، فالحروب لا تخيفنا، والتهديد بالقصف لا يخيفنا، وأرواحنا ليست أغلى من أرواح أقاربنا الساكنين في البلد".
واعتبر أنّ "الوضع الأمني مستتب في لبنان، ولا شيء يهدّد سلامة القادمين إليه، فعناصر الجيش والقوى الأمنية منتشرين في كلّ مكان. ونحن لا نشعر بأجواء حرب، لا بل مطمئنّين ونشجّع المغتربين اللبنانيين للقدوم إلى لبنان، ونحن كشعب اعتدنا الحروب، ولا نخاف الحرب فلا أعتقد أنّ هناك من يجرؤ على الاعتداء على لبنان".
وعن الأماكن التي يزورها أجاب "نقصد عين المريسة، والروشة، وجونيه وجبيل والبترون، ونحن نأتي إلى لبنان للشعور بالحياة، فنحن شعب يحب الحياة ويتمسّك بها، وهذه الأجواء من سهر وفرح وجمعة العائلة نفتقدها في الغربة".