السيناريو اكتمل لنقل النقاش المتعلّق بمصير قائد الجيش من مجلس النواب إلى الحكومة.
بين تأجيل التسريح أو التمديد بقي مصير قائد الجيش معلّقاً. لم يتطرّق له مجلس النوّاب في جلسته التشريعية، وفي انتظار ما ستقرّره الحكومة قبل الظهر سيحسم مجلس النواب التمديد لشخص العماد سنة كاملة، ليبقى السؤال عن الحاجة إلى التمديد طالما ستتولّى الحكومة تعيين رئيس أركان؟
لعلّ عضو تكتّل "لبنان القوي" النائب غسان عطالله أصاب في قوله موصفاً جلسة الأمس التشريعية: "ما حدا فاهم ليش جايي عالجلسة، شي مردّد، شي مستحي يفوت عالقاعة، شي عم ببيع الرأي العام مواقف شعبوية تيربح صوتين زيادة". متأكّد بذات نفسه "إنّو ما حدا مقتنع بفكرة بدّو يدافع عنها"! توصيف في مكانه بالنّظر إلى أنّ الغاية من الجلسة النيابية لم تكن تشريعاً بالمطلق، بقدر ما كان هدفها التصويب بالسياسة وتصفية حسابات متبادلة بين الفريقين المسيحيين، كما بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وثأره من القوات اللبنانية بجرّها إلى إعطاء صك براءة للمجلس للتسليم بدوره التشريعي في غياب رئيس الجمهورية.
تشريعياً جرت الجلسة النيابية على خير ما يرام على حدّ توصيف مصدر نيابي، أقرّ برّي المطلوب من مشاريع كان اللافت من بينها مشروع القانون المتعلّق بطلب الموافقة على إبرام اتفاقيّة قرض بين الجمهورية اللبنانية والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، لتمويل مشروع إنشاء منظومات للصّرف الصحّي في قضاء البترون، على سبيل حسن نوايا تجاه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. وفي جلسة المساء أقرّت الجلسة مشروع الصندوق السيادي. انتهت الجلسة لفقدان النّصاب مجدداً وغادر النواب على أمل الحضور بعد ظهر اليوم لمعاودة استكمال بحث ما تبقّى من بنود على جدول الأعمال، وتكون الحكومة قد انتهت من جلستها وحدّدت مصير قائد الجيش العماد جوزف عون.
شاركت القوات في الجلسة مصرّة على إدراج التمديد سنة لقائد الجيش جوزف عون. الموضوع الذي فضّل برّي أن يكون من اختصاص الحكومة وينأى بمجلس النوّاب عن تحمّل تبعاته. تأجيل التسريح من قبل الحكومة يعني أنّه دخل شريكاً في ما أنجز أمام دول الغرب المؤيدة لاستمرار جوزف عون في منصبه وذلك من خلال مشاركة وزرائه وبوجودهم في الجلسة. أمّا حزب الله فعين على المؤسسة العسكرية وأخرى على الحليف الغاضب من تمديد يعارضه حتّى الرّمق الأخير. في حمأة المواجهة جنوباً وحيث لا صوت يعلو على صوت المعركة، الحزب بغنى عن فتح خلاف جديد مع حليفه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ولا يريد إخراجه خاسراً من المعركة. لا مجال للمفاضلة بينه وبين قائد الجيش لا مجال للمقارنة، ولندع ما يقال في الإعلام جانباً.
السيناريو اكتمل لنقل النقاش المتعلّق بمصير قائد الجيش من مجلس النواب إلى الحكومة. الاتّصالات على خطّ حارة حريك - ميرنا الشالوحي أفضت إلى حلّ يخرج باسيل منتصراً، ويظهر مدى حراجة موقف القوات ولا يغضب الغرب المطالب بالتمديد للقائد الحالي. وليس من باب الصدفة أن يتنادى سفراء كلّ من فرنسا وأميركا وبريطانيا لزيارة جوزف عون تزامناً مع انعقاد الجلسة النيابية. الإشارة واضحة والمطلوب واحد وهو عدم وقوع المؤسسة العسكرية في الفراغ واستمرار القائد الحالي في مهامه.
كان المتداول طيلة يوم أمس أنّ النوّاب وبعد النقاش خلال الجلسة النيابية يتمّ الاتفاق على رفع الموضوع إلى الحكومة للبتّ فيه. تتلقّف الحكومة المبادرة وتلجأ إلى تأجيل التسريح لقائد الجيش ويتمّ بالجلسة ذاتها تعيين رئيس أركان. يتمّ الطّعن بتأجيل التسريح فيبطل التمديد ويتسلّم حينها رئيس الأركان قيادة الجيش بالوكالة. مخرج من شأنه أن يخرج الأزمة من نطاق الخلاف الدائر بشأنها فيكون من جهة لبّى مطلباً مسيحياً، واستجاب من جهة أخرى للضغوط الخارجية التي تطالب بالتمديد وتلحّ عليه، ويتمّ تخفيف الضغوط الدولية على لبنان في ما يتعلّق بقيادة المؤسسة العسكرية بحيث أنجز المطلوب منه، وإذا ما تعرّض قرار الحكومة للطعن من شورى الدولة فيكون هذا الأمر من حق المشكّكين يمكن اللجوء إليه للاحتكام إلى القانون والدستور.
وبعد الظهر وجّه وزير الدفاع موريس سليم كتاباً إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، يعلم فيه الأخير بقيامه بالمقتضى لوضع حدّ نهائي للشغور المرتقب في قيادة الجيش. وقال في كتابه: "نقوم بالمقتضى عبر الإجراءات الإدارية المتعلّقة بوضع حدّ نهائي للشغور المرتقب في قيادة الجيش، ولاستمراره في هاتين المؤسّستَين الرئيسيّتَين وفي رئاسة الأركان، وذلك في ضوء ما جرى التفاهم حوله في الاجتماعات معكم، وبما يتوافق مع الأحكام الدستورية والنصوص القانونية المرعيّة الإجراء".
يبقى القرار النهائي للبتّ بمصير قائد الجيش تعييناً أو تأجيلاً للتسريح قيد المتابعة ساعة بساعة
كتاب سهّل مهمة الحكومة لتعيين رئيس أركان بعدما كان رفع رئيس الحزب الاشتراكي السابق وليد جنبلاط الغطاء السياسي عن الخطوة، وقال في حديث صحافي عشية التعيين أن "نفضّل أن تكون قيادة الجيش والأركان مكتملة، أي أن يكون هناك قائد جيش، ورئيس أركان ومجلس عسكري. وفي حال تعذّر لأسباب داخلية وعبثية التمديد للعماد جوزف عون، سنسعى إلى أن يُرقّى ضابط رشّحته وفق الأقدمية هو العميد حسان عودة ويعيّن كرئيس أركان لينوب عن قائد الجيش عندما يغيب أو عندما يتقاعد الأخير". رافعاً بذلك الفيتو عن تعيين رئيس أركان كان سبق ورفضه تجنّباً لتحميله المسؤولية منفرداً في ظلّ غياب قائد جيش بالأصالة. وبذلك تكون العدّة السياسية لتعيين رئيس أركان قد اكتملت ولم يعد من حاجة للتمديد من وجهة نظر التيار الوطني الحر، إذ يجب أن يسري على المؤسسة العسكرية قانون المؤسسة العسكرية، الذي يقول بتولّي رئيس الأركان مهام القائد بالوكالة في حال الغياب. وثمّة وجهة نظر ثانية تقول في حال تمّ تعيين رئيس أركان فلا حاجة لتأجيل التسريح.
يبقى القرار النهائي للبتّ بمصير قائد الجيش تعييناً أو تأجيلاً للتسريح قيد المتابعة ساعة بساعة، مرهونا بسير المشاورات المكثّفة لساعات ما قبل انعقاد الجلسة. قالها رئيس كتلة الوفاء للمقاومة أبو حسن محمد رعد "إن حزب الله حاضر للتمديد أو التعيين، وكلّ الخيارات مفتوحة". وتقول مصادره المقرّبة أنّ الحزب هو من أكثر الجهات التي تحترم المؤسّسة العسكرية وإبقاءها بمنأى عن السجالات السياسية. لكن لحزب الله اعتبارات داخلية لا بد أن يتوقّف عندها وتتعلّق بمعارضة الحليف جبران باسيل للتمديد لجوزف عون. يتجنّب حزب الله الدخول في مشكلة مع حليف يعبّر عن شريحة مسيحية كبيرة كما يتجنب زعل الحليف في أوج تأييده لجبهته الجنوبية.
عين على الحكومة وأخرى على مجلس النواب. لم يستطيع برّي تجاوز وعده لنوّاب القوّات بالاستمرار بنقاش اقتراح القانون الذي تقدمت به للتمديد لقائد الجيش مقابل التزامها حضور الجلسات، لكنّ السؤال ما الذي يضمن استمرار البحث حتّى عرض ذاك البند للنقاش وعدم فقدان النصاب، طالما أنّ الأمر تكرّر مرّتين خلال اليوم الأول من الجلسات أمس، وماذا لو استغرق البحث في البنود العادية المزيد من الوقت ولم يتأمّن النصاب لمناقشة مشاريع المعجّل المكرّر. عنصر المفاجآت وارد سواء في المجلس النيابي أو في الحكومة. والقصّة معلّقة على وعد بري للقوّات ووعد حزب الله لباسيل، ووزير الدفاع لم يستنفد أوراقه بعد ويحتفظ لنفسه بعنصر المفاجأة.