العنف ضدّ المرأة باختلاف أشكاله لا يزال موجوداً، وهو يحتاج إلى تطوير القوانين لتؤمّن بيئة آمنة للنساء في لبنان...

انطلقت حملة الستة عشر يومًا من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي في 25 تشرين الثاني، وهو اليوم الدولي للقضاء على العنف ضدّ المرأة، وتستمرّ حتى يوم حقوق الإنسان في 10 كانون الأول.

وتدعم الأمم المتحدة الحملة، التي يقودها المجتمع المدني، من خلال مبادرة الأمين العام بعنوان "اتّحدوا لإنهاء العنف ضدّ المرأة بحلول عام 2030".

وللبنان حصّته من هذه الحملة، حيث أطلقت معظم الجمعيات النسوية حملاتها لتسليط الضوء على مختلف أنواع العنف الذي تتعرّض له النساء اللبنانيات، بدءاً من العنف الجسدي واللفظي ووصولاً إلى العنف الاجتماعي والسياسي.

فما التقدم الذي أحرز على صعيد القوانين في لبنان وهل بدأنا نلمس وعيا مجتمعيا؟ ‏

ارتفاع معدّل جرائم العنف ضدّ النّساء

كشفت دراسة أجرتها جمعية "أبعاد"، ارتفاع معدّل جرائم العنف ضدّ النساء، وقالت إنّ 96 في المئة من الفتيات الشابات المقيمات في لبنان تعرّضن للعنف خلال عام 2021، وأنهن لم يبلِّغن عن هذا العنف أبداً.

وفي دراسة، شملت 1800 امرأة وفتاة شابّة، اعتبر 62.4 بالمئة من العيّنة المستطلعة أنّ التحدّيات الاقتصادية هي في قائمة التحديات التي يواجهنها، تليها التحدّيات الاجتماعية بنسبة 22.6 بالمئة، والتحدّيات النفسية 11.6 بالمئة. فيما جاء الغذاء والدخل في سلّم أولويات الفتيات والنساء في لبنان بنسبة 46.3 بالمئة.

ونتيجة لازدياد نسبة العنف في زمن الأزمة، تشكّل "الحماية" أولوية لحوالي نصف النساء والفتيات اللواتي شملتهن الدراسة بنسبة 47.9 بالمئة، حيث أجابت امرأة من أصل 2 بـ "نعم" على سؤال إذا ما كانت "الحماية" يجب أن تشكل أولوية بالنسبة لهن، 94.7 بالمئة منهنّ أكدّن أنهنّ بحاجة إلى الحماية خارج المنزل في لبنان.

وهذه النتيجة تأتي انعكاساً لارتفاع نسب العنف ضدّ النساء بكافة أنواعه في لبنان، والذي تبعده الأزمة الاقتصادية عن واجهة التحدّيات في المجتمع.

و12.7 بالمئة من الفتيات أو النساء اللواتي شملتهن الدراسة أعلنّ أنهن تعرّضن لنوع من أنواع العنف على الأقلّ خلال هذا العام. والعنف اللفظي هو أكثر أنواع العنف الذي تعرّضت له النساء والفتيات في لبنان. و9.8 بالمئة من الفتيات أو النساء اللواتي شملتهن الدراسة أعلنَّ أنهن تعرّضن لنوع من أنواع العنف المنزلي.

 

قانون حماية النساء من العنف الأسري

من جهتها، قالت كلودين عون، رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة، في حديثها لموقع "الصفا نيوز" إنّه "على صعيد القوانين وبعد صدور القانون 293 في العام 2014 حول حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، أقرّ مجلس النواب في نهاية العام 2020 بعض التعديلات على هذا القانون التي كانت قدّمتها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية مع وزارة العدل ومنظمة كافة، وذلك بهدف تأمين حماية أكبر للمرأة المعرضة للعنف وأولادها".

وأشارت إلى أنّ "من أبرز التعديلات التي تم إقرارها: تضمين تعريف العنف الأسري الممارسات الجرمية التي تقع "أثناء الحياة الروحية أو بسببها" وتضمين أنواع المعاقب عليها العنف الاقتصادي، وشمول أمر الحماية الذي يصدر لصالح ضحية العنف الأسري أطفالها البالغين من العمر 13 سنة وما دون".

تجريم التحرش الجنسي

وأضافت عون "صدر في كانون الأول 2020 القانون رقم 205 الذي يرمي إلى تجريم التحرّش الجنسي وتأهيل ضحاياه، الذي وضع تعريفاً لفعل التحرش الجنسي وحدد العقوبات ووجدها في بعض الحالات. وتعمل الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية حالياً لنشر المعرفة بهذا القانون وزيادة الوعي حول ضرورة رفض العنف ضدّ النساء والفتيات في الأوساط الحقوقية والجامعية ولدى أصحاب المؤسسات الاقتصادية وتتعاون في ذلك مع وزارة العمل وشركائها من منظمات دولية ومنظمات المجتمع المدني".

حملات توعية للطلّاب

وبالنّسبة إلى زيادة الوعي الاجتماعي لمواجهة العنف ضدّ النساء والفتيات لفتت عون إلى أنّ "الهيئة الوطنية قامت خلال العامين الماضيين بحملات توعية في أكثر من 20 مدرسة طالت من خلالها حوالي 10,000 تلميذ وتلميذة في جميع المناطق اللبنانية وكان هدفها نشر ثقافة رفض العنف ضدّ الفتيات والتعريف بالقوانين وبسبل الحماية التي تؤمّنها وزارة التربية والتعليم العالي وقوى الأمن الداخلي بواسطة الخطوط الساخنة المتوفّرة في الوزارة. كما ولدى المديرية العامّة لقوى الأمن الداخلي التي يمكن الاتصال بها للتبليغ عن حالات عنف أسري كما عن حالات الابتزاز الإلكتروني".


"العنف ضد المرأة بيستاهل نتوقّف عندو ليوقف عند حدّو"

ارتفاع حالات التبليغ عن العنف

وحول تسجيل حالات العنف ضدّ المرأة ارتفاعاً أو تراجعاً في عام 2024 بالمقارنة مع سنوات سابقة، أجابت عون "لا يوجد في لبنان إحصاءات شاملة لأعداد حالات العنف ضد النساء والفتيات، إنّما يمكن ملاحظة زيادة خلال سنوات الأخيرة في عدد الشكاوى الواردة إلى قوى الأمن الداخلي عن حالات العنف ضدّ النساء والفتيات على الخطّ الساخن 1745. لكن ينبغي الإشارة إلى أنّ زيادة عدد الحالات المبلّغ عنها قد تكون ناتجة عن زيادة الوعي بضرورة عدم السكوت عن حالات العنف خاصّة أنّ إنشاء الخطّ الساخن 1745 يعود فقط إلى العام 2018.

وقفة لوقف العنف

وعن الحملات التي تقودها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة هذا العام ، تذكر عون انّه "عدا الحملات التي قامت بها في المدارس والجامعات للتوعية على ضرورة مواجهة العنف ضد النساء والفتيات بجميع أشكاله، بما في ذلك زواج القاصرات والتحرّش الجنسي، تشارك الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية حالياً في الحملة الدولية السنوية، 16 يوماً من النشاط لمناهضة العنف القائم على النّوع الاجتماعي التي تم إطلاقها في 25 تشرين الثاني، وهي تحمل هذه السنة شعار "العنف ضد المرأة بيستاهل نتوقّف عندو ليوقف عند حدّو" وتستخدم هاشتاغ #وقفة_لوقف_العنف".

أمّا الثغرات والنّقص الذي يجب العمل عليه في لبنان لحماية النساء من العنف، فبحسب عون، إنّ "العمل الأساسي المطلوب لحماية النساء من العنف بالإضافة إلى الاستمرار في تدريب العناصر الأمنية والقضائية والمساعدين الاجتماعيين على توفير وتحسين سبل الحماية للنساء المعرّضات للعنف، هو نشر ثقافة في المجتمع، عبر جميع الوسائل المتاحة وأيضاً بواسطة المرشدين الدينيين، تنبذ ممارسة العنف ضدّ المرأة وتعترف لها بجميع الحقوق الإنسانية المعترف بها للرجل وتتيح لها الاستفادة من جميع الفرص المتاحة لها وذلك على قدم المساواة. فالعنف ضدّ المرأة هو آفة اجتماعية ناتجة عن ثقافة سائدة تعتبر المرأة أدنى رتبة من الرجل. لذا فإنّ معالجة هذه الظاهرة تأتي عن طريق التخلّص من هذه المغالطة الرائجة في المجتمع".

قوانين... دون مراسيم تطبيقية

من جهتها، ترى الصحافية النسوية، فتات عياد، في حديثها لموقع "الصفا نيوز" أنّ "ازدياد نسبة جرائم العنف ضدّ المرأة في لبنان المبلّغ عنها منذ الانهيار الاقتصادي، ليس إلّا توكيداً على أنّ المرأة في لبنان غير محميّة من أشكال العنف كافّة وذلك أكثر من أيّ وقت مضى".

وتتابع "ففي ظلّ تحلّل مؤسسات الدولة وتنامي ثقافة الإفلات من العقاب على حساب دولة القانون والمؤسسات، تدفع النساء ثمن العنف بحقهنّ والذي قد يصل لزهق أرواحهنّ وهدر دمائهنّ بجرائم قتل، ويزيد من فظاعة الجرم، أنّه يلقى له حاضنة مجتمعية ضمن النظام الأبويّ تحت مسمّيات "الشرف".

لكنّ الأخطر برأي عياد من تطويق المرأة اللبنانية بثقافة ذكورية مجتمعية تبرّر العنف والجريمة بحقّها، هو "النظام الأبوي والمنظومة التشريعية الذكورية. فحتّى القوانين الأخيرة التي أتت لتحمي المرأة من العنف الأسري عبر قانون مناهضة العنف الأسري، والتحرّش في أماكن العمل عبر قانون مكافحة التحرش، أقرّتها الدولة كإصلاحات تشريعية مقدور عليها، بهدف إرضاء المجتمع الدولي، فيما هي عاجزة عن إرضائه بإقرار إصلاحات مالية واقتصادية جذرية، ولم تأت بروحية حماية المرأة من العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تتعرض له في الأسرة والعمل وكافة مجالات حياتها بدلالة تأخّر استتباع تلك القوانين بمراسيم تنظيمية تضمن تطبيقها".

العنف السياسي... لا يقلّ خطورة

إلّا أنّ العنف ضدّ المرأة لا يختصر بالتعنيف الجسدي أو اللفظي أو الاعتداء الجنسي، تشرح عيّاد "العنف بحقّ المرأة في لبنان يصل إلى حرمانها حقّها بالمواطنة الكاملة، بعدم المساواة بالحقوق السياسية والمدنية بينها وبين المواطن الرجل، بدءاً من إقصائها عن مراكز القرار، لا سيّما التشريعية، وصولاً لحرمانها منح أبنائها الجنسية اللبنانية، وهو عنف "مقونن" تمارسه الدولة اللبنانية عبر عقود ويكرّسه المشرعون الذين يبقون على هذا العنف بحقها، والذي يصل للانتقاص من حقّها بالمواطنة".

وعن العنف السياسي، تعلّق "الأحزاب في لبنان بسوادها الأعظم ذكورية، ونسبة ترشّح النساء على لوائحها في الانتخابات النيابية دليل على ذلك، ولا بدّ من مناهضة هذا النوع من العنف ضد المرأة عبر خلق أحزاب عابرة للطوائف"، معتبرة أنّ "التمييز الجندري، تمييز، لا يقلّ عن أنواع العنف الأخرى بحقّ المرأة خطورة، كونه يقصيها عن صنع القرارات والسياسات العامّة في وطنها الأم ممّا ينعكس سلباً على الحياة السياسية والتشريعية عموماً، وعلى حقّها بالعمل السياسي وخدمة وطنها". 

لاحترام الاتفاقات الدولية

وعن الحلول، ترى عيّاد أنّ "إقرار القوانين المناهضة للعنف هي خطوات تشكّل "ضمانة" قانونية، لكنّ الأهمّ هو ضمان تطبيقها"، مضيفة، "فإذا كان أحد أبرز أهداف التنمية المستدامة الـ17 للأمم المتحدة، أو "الأهداف العالمية"، هو "المساواة بين الجنسين"، فسيتعيّن على لبنان الموقّع على اتفاقية "سيداو" للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، الالتزام بها بدءاً من قوانين الجنسية والأحوال الشخصية".

أما عن الضمانات التوعوية المجتمعية، فتلفت أيضا إلى "دور الدولة اللبنانية بوضع سياسات تدفع لكبح الثقافة الذكورية وتعزيز ثقافة المساواة بين الجنسين، عبر تخصيص مشاريع في الموازنة العامة ليس لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي وحسب، بل للحدّ المسبق منه كتطوير المناهج التربوية، فالإصلاح لا تضمنه القوانين وحسب، بل تؤسّس له التنشئة المدنية المبنية على أسس المساواة في المواطنة والعدالة".

في المحصّلة، لا يمكن إنكار التقدّم الذي أحرزه المجتمع اللبناني على صعيد حماية النساء من العنف، خصوصاً مع الوعي الذي برز لدى جيل الشباب، والذي لا فضل للسّلطة السياسية فيه، بل هو يعود إلى عمل الجمعيات النسائية في لبنان على تقوية النساء وجعلهن يعين حقوقهن وتمكينهن ليصبحن قويات قادرات على حماية أنفسهن. إلّا أنّ ذلك لا ينفي أنّ العنف باختلاف أشكاله لا يزال موجوداً، وهو يحتاج إلى تطوير القوانين لتؤمّن بيئة آمنة للنساء في لبنان.