بدا من نتائج زيارة لودريان الرابعة للبنان أنّ المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية المهتمّة بمعالجة الأزمة اللبنانية "صارت على قلب واحد" قولاً وفعلاً، بحيث تخطّت جميع المرشّحين الرئاسيين إلى البحث عن خيار رئاسي ثالث
استنتج كثيرون، وخصوصاً فريق المعارضة بكلّ أطيافه من زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان أنّ باريس خرجت نهائياً من معادلتها الرئاسية ـ الحكومية السابقة، بمجرّد أن طرح موفدها باسم المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية موضوع التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون بنداً أساسياً للبحث في كلّ اللقاءات التي عقدها في بيروت، على رغم من أنّ البعض ما زال يعتقد أنّ باريس ما تزال مقتنعة بتلك المعادلة، أقلّه لجهة ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، ولكنّها ولظروف ما قرّرت مرحلياً مجاراة نظيراتها في "الخماسية" المؤيّدة لعون، وذلك لإدراكها، أي باريس، أنّه من الصعوبة إنجاز الاستحقاق الرئاسي إلّا بانتخاب مرشّح يحظى بقبول ثنائي "حزب الله" وحركة "أمل" الذي كان ولا يزال حتّى الآن يتمسّك بدعم ترشيح فرنجية.
بدا من نتائج زيارة لودريان الرابعة للبنان أنّ المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية المهتمّة بمعالجة الأزمة اللبنانية "صارت على قلب واحد" قولاً وفعلاً، بحيث تخطّت جميع المرشّحين الرئاسيين إلى البحث عن خيار رئاسي ثالث، ولو أنّ طلبها تمديد ولاية قائد الجيش فسّره كثيرون على أنّه تأييد لانتخابه رئيساً للجمهورية كخيار ثالث بعد توفير المتطلّبات اللازمة لهذا الأمر.
والواقع، وحسب أوساط ديبلوماسية قريبة من المجموعة الخماسية، أنّها تحبّذ بقوّة وصول عون إلى سدّة الرئاسة إذا توافرت الأكثرية المطلوبة له، إذ تشيد هذه الأوساط بمزايا الرجل وامتناعه عن قول أو فعل أيّ شيء يتعلّق بالاستحقاق الرئاسي، وكذلك عدم تعليقه على كلّ ما يساق ضدّه أحيانا ممّن لا يؤيدون ترشيحه. لكنّ اللجنة لا تسقط من حسبانها المواقف المعارضة له وفي مقدّمها موقف "التيار الوطني الحر" ورئيسه النائب جبران باسيل.
المجموعة الخماسية، أنّها تحبّذ بقوّة وصول عون إلى سدّة الرئاسة إذا توافرت الأكثرية المطلوبة له
ولذلك يعتقد البعض أنّه قد تكون لدى اللجنة "خطة ب" في حال عدم توافر الظروف الملائمة لانتخاب عون، إذ أنّ أوساطها الديبلوماسية تتحدّث عن أنّ الظروف اللبنانية الداخلية وكلّ الظروف المحيطة بلبنان، تفرض انتخاب رئيس لا ينتمي إلى أيّ فريق سياسي ولا يخضع لتأثير أيّ جهة، وتؤكّد أنّ مثل هذا الرئيس وبهذه المواصفات موجود عندما تحين اللحظة المطلوبة لانتخابه، ويبدو أنّ هناك ثمّة تأجيلاً متعمداً في إنجاز الاستحقاق الرئاسي إلى حين توافر الظروف المناسبة، إمّا لانتخاب عون الذي يبدو أنّه المفضّل لديها وإمّا لانتخاب ذلك الرئيس الذي لا ينتمي إلى أيّ فريق سياسي.
إلّا أنّ ثمّة من يعتقد أنّ اللجنة الخماسية العربية – الدولية تدرك مدى صعوبة إيصال عون إذ يكفي على الأقلّ اعتراض "التيار الوطني الحرّ" عليه إلى جانب أفرقاء آخرين، وفي هذه الحال يكون تمسّكها بتمديد ولايته يندرج في إطار حرصها على عدم حصول فراغ في قيادة الجيش، في ظلّ الظروف الخطيرة التي نشأت من حرب غزة وما يرافقها من مواجهات يومية بين حزب الله وإسرائيل على حدود لبنان الجنوبية، خصوصاً وأنّ هذه الحرب مرشّحة للاستمرار إلى أكثر من ثلاثة أشهر، فيما ولاية قائد الجيش تنتهي في العاشر من كانون الثاني المقبل.
ويختصر ديبلوماسي عربي نتائج زيارة لودريان بأنّ التمديد لقائد الجيش كان العنوان "الرئاسي والرئيسي" لها، ويشير إلى أنّ العلامة الفارقة في جولة لودريان كان لقاء السبعة دقائق بينه وبين رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل الذي بادره برفض طرحه التمديد لقائد الجيش واعتبار ذلك خارج صلاحية اللجنة الخماسية وتدخّلاً في شأن سيادي وداخلي، فيما مهمّة اللجنة هي المساعدة على إنجاز الاستحقاق الرئاسي.
ويشير هذا الديبلوماسي إلى أن محاكاة الذكاء الصناعي حول الاستحقاق الرئاسي بعد تلقينه المعطيات المتعلّقة بالأوضاع التي يعيشها لبنان، والانقسامات السياسية حيال هذا الاستحقاق جاءت بنتيجة تنصح بالاتيان برئيس من خارج المنظومة السياسية بشقّيها الموالي والمعارض، وترى أنّ لبنان يحتاج لمثل هذا الرئيس حتى يتمكّن من اجتياز هذه المرحلة الصعبة التي يمرّ بها على كلّ المستويات.
وفيما فريق المعارضة أيّد طرح لودريان التمديد لقائد الجيش وتنفيذ القرار الدولي 1701 في الجنوب، وإقامة ترتيبات أمنية على الحدود بانتشار الجيش وقوات "اليونيفيل" على رقعة عرضها خمسة كيلومترات على الحدود في مواجهة الأراضي الفلسطينية المحتلّة، فإنّ "الثنائي الشيعي" حلفائه، وحسب المطّلعين على موقفهم، يستغربون طرح موضوع تنفيذ القرار 1701 مع لبنان في وقت مطلوب أن يثار هذا الموضوع مع إسرائيل التي تخرق هذا القرار منذ صدوره، كذلك يستغربون طرح لودريان موضوع التمديد لقائد الجيش خلال لقاءاته في بيروت، والتي كان منها لقاءه مع رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، مقدّماً هذا الأمر على مهمّته الأساسية وهي الاستحقاق الرئاسي.
وبالمختصر المفيد فإنّ المجموعة الخماسية التي بات تدخّلها على أوسع نطاق في الاستحقاق الرئاسي تضع الآن هذا الاستحقاق جانباً لتركّز على القرار 1701 والحؤول دون توسّع رقعة الحرب إلى لبنان، ولذا تطرح التمديد لقائد الجيش كلازمة لجهودها في هذا الاتّجاه، منعاً لحصول فراغ في قيادة المؤسسة العسكرية اللبنانية انتظاراً لما ستسفر عنه حرب غزّة التي ربما تدوم أكثر من ثلاثة أشهر حسب تقديراتها.
ويلفت الديبلوماسي القريب من الخماسية إلى أنّ توسّع تدخّلها في الاستحقاق الرئاسي جاء نتيجة انعدام التوافق الدّاخلي حوله، وسجّل في هذا الإطار أنّ المملكة العربية السعودية وبتوجيهات وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان كان موقفها ولا يزال عدم التدخّل في خيارات اللبنانيين الرئاسية وترك هذا الأمر لهم لكي يتّفقوا على رئيس ويتحمّلوا المسؤولية عن خيارهم، على أنّ يكون للدول المهتمّة في المقابل الحرّيّة في تحديد طريقة تعاطيها مع هذا الرئيس سواء كانت مؤيّدة له أو غير مؤيّدة.
ويشيرهذا الديبلوماسي إلى أنّ هذا الأمر كان موضع بحث مع الجانب الفرنسي يوم كان معتنقاً معادلة سليمان فرنجية ـ نواف سلام، قبل أن يتغيّر موقفه الآن ويلتحق كلّيّا بموقف المجموعة الخماسية الذي ينادي برئيس من خارج المنظومة السياسية القائمة. ويلفت في هذا الأمر إلى أنّ هذا التغيير في الموقف الفرنسي يدلّ إليه مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتغيير كلّ أعضاء فريق عمله الذي كان منه باتريك دوريل الذي عيّنه سفيراً لفرنسا في العراق.