أكثر ما يتمنّاه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وائتلافه اليمينيّ الحاكم هو توريط الولايات المتحدة في حرب تخدم أجندته وتغطّي سياسته التوسّعية...

آخر ما يريده الرئيس الأميركي جو بايدن مع اقتراب سنة الانتخابات الرئاسية هو اندلاع نزاع مسلّح تنزلق إليه الولايات المتحدة، فيما يسعى جاهداً منذ أن تولّى سدّة الرئاسة إلى إنهاء الانتشار العسكري الأميركي في مناطق النزاع، وإعادة الجنود الأميركيين إلى الديار بعد حروب بدأتها الولايات المتحدة منذ خريف 2001 ردّاً على هجمات الحادي عشر من أيلول. 

وفي المقابل فإنَّ أكثر ما يتمنّاه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وائتلافه اليمينيّ الحاكم هو توريط الولايات المتحدة في حرب تخدم أجندته وتغطّي سياسته التوسّعية.

هكذا، طبّق بايدن الاتّفاق الذي وقّعه سلفه الرئيس ترامب مع ميليشيا طالبان وسارع في سحب الجنود الأميركيين من أفغانستان، مع ما رافق ذلك من فوضى وخسائر بشرية بسبب الهجمات الانتحارية التي نفّذها تنظيم داعش، والتخلّي عن آلاف الأفغان الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة ووعدتهم الحكومة الأميركية باستقبالهم على أراضيها.

لكنّ بايدن لم يمسّ بالقوات الأميركية المنتشرة في العراق وسوريا لتدريب القوى المحلية على مكافحة الإرهاب، على ما جاء في قرار إبقائها. وتتمركز القوات الأميركية في قاعدتين أساسيتين في العراق هما أربيل في كردستان العراق وعين الأسد في الأنبار، إضافة إلى قاعدة قرب الحدود العراقية الأردنية السورية في التنف مع انتشار في مواقع متقدمة في حقول النفط والغاز السورية وفي المنطقة الواقعة تحت نفوذ قوات سوريا الديمقراطية التي يتألّف معظم عديدها من القوات الكردية.

وكان بايدن ينوي سحب مزيد من القوات الأميركية من الشرق الأوسط استعداداً لتعزيز الانتشار الأميركي في منطقة آسيا المحيط الهادئ. لكنّ هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر على جنوب إسرائيل وما تلاه من ردّ عسكري إسرائيلي مدمّر بتغطية كاملة من المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة، اضطرّ بايدن إلى إعادة الحسابات.

قبل خمس سنوات، قرّر الرئيس ترامب سحب الجنود الأميركيين من سوريا قائلا "إنّ السبب الوحيد لوجودهم هناك هو هزيمة داعش. أمّا وقد هزم داعش فلا مبرّر لبقائهم وسأسحبهم جميعا وبسرعة."

آنذاك أدّى قرار ترامب إلى استقالة وزير دفاعه جيم ماتيس ومنسق قوات التحالف ضدّ داعش بريت ماكغورك احتجاجاً. لكن ترامب رضخ لضغوط مارسها مستشاره للأمن القومي جون بولتون ونتنياهو وملك الأردن عبدالله الحسين وأبقى مئات من القوات الخاصة في سوريا. 

لا يريد الرئيس بايدن التورّط في حرب جديدة أو متوالدة، سواء أكانت حرب ضرورة كالحرب في أفغانستان أو حرباً بقرار سياسي مبني على مجموعة من الأكاذيب كحرب العراق

في أعقاب هجوم حماس على جنوب إسرائيل أرسل بايدن مجموعتي حاملتي طائرات هجوميتين وغواصة تتحرك بالوقود النووي، فيما اقتربت حاملة طائرات أخرى من مياه الخليج في المحيط الهندي. ورغم اختلاف التفسيرات لهذا القرار الأميركي، تجمع المعلومات والتعليقات على أن هذه الخطوة الأميركية تعيد بايدن إلى المربّع الذي أراد الابتعاد عنه.

صحيح أنّ السفن الحربية الأميركية لم تشارك في القتال، لكنّ واحدة منها في البحر الأحمر اعترضت غير مرّة صواريخ بالستية ومسيّرات أطلقها الحوثيون من اليمن باتجاه إسرائيل. وقد تعرّضت القواعد الأميركية في سوريا والعراق لهجمات بالصواريخ والمسيّرات لم تتأخّر في تبنّيها ميليشيات محلّية أو مستوردة تابعة لإيران.

لا يريد الرئيس بايدن التورّط في حرب جديدة أو متوالدة، سواء أكانت حرب ضرورة كالحرب في أفغانستان أو حرباً بقرار سياسي مبني على مجموعة من الأكاذيب كحرب العراق. وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيبياك في ولاية نيو يوركفي بداية تشرين الثاني أنّ 84 بالمئة من المستطلعين يخشون من جرّ الولايات المتحدة إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط. إلّا أنّ مصدراً في دائرة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي قال إن نتائج الاستطلاع تعكس تعب المواطنين الأميركيين من الحروب ومن تحمّل مسؤولية تمويلها. لكنّ حكومة الرئيس بايدن لم تتوقّف عن نصح إسرائيل بضرورة تجنّب الأخطاء التي وقعت فيها الولايات المتحدة نفسها في الحربين اللتين شنتهما بعد اعتداءات الحادي عشر من أيلول، مع أنّها لا تزال إلى الآن مقصّرة عن إدراك بل الإقرار بكلّ الأخطاء التي ارتكبتها في تلك الحرب.

رغم ذلك، أضافت الولايات المتّحدة إلى قواتها التي لا تزال منتشرة في الشرق الأوسط ويقارب عددها ثلاثين ألف جندي نحو عشرين ألفاً آخرين هم عديد مجموعتي حاملتي الطائرات والتي تقدّر بخمسة عشر ألفا إضافة إلى ستة آلاف جندي موزّعين في الميدان. 

وقال مسؤول مدني في وزارة الدفاع الأميركيّة إنّ المقاربة الأمنية التي اعتمدتها الولايات المتحدة طوال عقود في الشرق الأوسط والتي ترتكز على الطابع الأمني أولا أثبتت أنّها مكلفة للولايات المتحدة وذات آثار مدمّرة في المنطقة.  

في السابع من تشرين الثاني قال الرئيس بايدن إنّ المهمة المقدّسة بالنسبة إليه وإلى أيّ رئيس أميركي هي حماية الجنود المنتشرين في الأماكن الملتهبة، ومن بينها سوريا والعراق، خصوصاً بعد عملية حماس والردّ الإسرائيلي المدمّر. لكن هذا الانتشار العسكري الأميركي لا يعجب الجميع في أميركا ويقول منتقدوه، ومعظمهم من الجمهوريين إنّ سياسة الرئيس بايدن في هذا المجال تناقض المهمّة التي تحدّث عنها لأنّه إلى الآن لم يحدّد لهؤلاء الجنود أهدافاً واضحة المعالم قابلة للتحقيق مع استراتيجية واضحة للمغادرة بعد تنفيذ الأهداف.

الآن يجد بايدن نفسه مضطراً لإبقاء هؤلاء الجنود في سوريا والعراق رغم ازدياد الهجمات عليهم. وسيبقي القوة البحرية في المتوسط على أمل أن تنجح دبلوماسيته في كبح جماح نتنياهو وخياراته العسكرية.

والواضح أن الجميع في مأزق ولا يملك أحد تصوراً وخطة واضحة.