مشاريع قوانين التمديد المقدمة إلى مجلس النواب محصورة بـ 4 اقتراحات على الأقل، وحكماً ستشمل اللواء عثمان
رغم أنّ الشغور يرمز إلى الفراغ، إلّا أنّه يتكاثر بفعل الزمن، فمن المرجح أن يحمل وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال معه اليوم إلى جلسة مجلس الوزراء بنداً من خارج جدول الأعمال، يفضي إلى تمديد ولاية مدير عام الأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري (تنتهي مدة التمديد له في 4 كانون الأول المقبل) وذلك لمدة 6 أشهر بناءً على إفادة لجنة طبية يخضع لها ويصدر عنها تقرير يُفيد بأنّه ما يزال قادراً على الاستمرار في تسيير المرفق العام، وبذلك، يتجاوز البلد قطوع تمديد الإنابة من دون معارضة أيّ من القوى السياسية الكبرى.
وإلى ملف قيادة الجيش الذي بات بمثابة كرة نار متقاذفة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، تقرّ حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي بعجزها عن التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون (تنتهي ولايته في 10 كانون الثاني المقبل)، بسبب معارضة وزراء التيار الوطني الحر وبالتالي وزير الدفاع الوطني موريس سليم لهذه المسألة، حيث يحتم القانون أن يصدر الاقتراح عنه حصراً.
لا سبيل للتمديد لقائد الجيش سوى المجلس النيابي
وقد سبق ذلك، محاولة الأمانة العامة لمجلس الوزراء العمل على آلية قانونية معينة تقضي بتقديم وزير البيئة ناصر ياسين اقتراح تأخير تسريح العماد عون إلى مدة محددة (على الأرجح 6 أشهر)، لكنها اصطدمت بعواقب قانونية كبرى (المادة 50 من قانون الدفاع) تؤدي حكماً إلى الطعن بها، إلا أن التعويل على تلك "الفتوى القانونية" كان يكمن بتاريخ صدور الطعن، بحيث تكون مهلة التمديد قد انقضت، ولكن هذه الخطوة لم تحظ بتأييد جميع المتحمسين للتمديد.
وبذلك، لا سبيل للتمديد لعون اليوم سوى السلطة التشريعية عبر دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة تشريعية، تُفاضل بين 4 مشاريع قوانين مُقدّمة حتّى الساعة على الأقل من قبل كتل ونواب كلها ترمي إلى التمديد باليات مختلفة، وأكثر المتحمسين لها كتلتي الجمهورية القوية والكتائب ككتلتين مسيحيتين - مارونيتين، خصوصاً بعدما وضع هذا الإستحقاق في إطاره الطائفي عقب معارضة الكنيسة المارونية مبدأ تعيين قائد جديد، لكونه ينتقص من صلاحيات رئاسة الجمهورية، وقد عبّر البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عن رغبته بالتمديد لعون، ليجاهر لاحقاً بري عبر تصريح صحافي بأن المشكل "ماروني - ماروني"، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ بري وميقاتي لن يخالفا رغبة الكنيسة في هذا الاستحقاق.
أول مركز قضائي في مهب الفراغ
وبالعودة إلى مشاريع القوانين المقدمة الى مجلس النواب والمحصورة حتى اللحظة بـ 4 اقتراحات على الأقل، أولها المقدم من قبل كتلة القوات اللبنانية والرامي إلى تعديل المادة 56 من المرسوم الاشتراعي رقم 102 الصادر سنة 1983 (قانون الدفاع الوطني)، بهدف تمديد تسريح قائد الجيش، من خلال رفع سن التسريح إلى 61 عاماً بدلاً من الـ60، أما الثاني فهو المقدّم من قبل عضو كتلة اللقاء الديموقراطي النائب بلال عبد الله من خلال التمديد سنتين لكل الرتب الموجودة حالياً، والذي يتوافق إلى حد ما مع قانون النائب اديب عبد المسيح، أما الرابع مقدم من قبل كتلة الاعتدال الوطني والقاضي برفع سن التقاعد سنة واحدة لقادة الأجهزة الأمنية، العسكريين منهم، والذين يمارسون مهمات بالأصالة أو بالوكالة أو بالإنابة ويحملون رتبة عماد أو لواء.
وبالعودة إلى الشغور الذي يتمدّد، يتقاعد مدعي عام التمييز غسان عويدات في 21 شباط 2024، ويُترَك أول مركز قضائي في مهب الفراغ، فيما لا تزال قضية من سيخلفه مجهولة الاجتهادات وفق ما تمليه النصوص القانونية من أحكام تطل برأسها مجدداً إلى داخل مجلس الوزراء، ومن الأسماء المطروحة لإشغال هذا المنصب، النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم، المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري، والقاضية ندى دكروب.
أما مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان فتبقى مسألة تقاعده مرهونة بما سيصدر عن مجلس النواب، حيث يشمله التمديد لقائد الجيش في بعض اقتراحات القوانين المقدمة من قبل النواب والكتل قبل انتهاء ولايته في ايار 2024. إلّا أنّ كلّ ما يعتري البلاد من خلل على صعيد المؤسسات العامة الادارية والأمنية وحتى المالية والقضائية منها، يبقى مرهوناً بانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية على بعد أكثر من سنة تقريباً على الفراغ، وهذا الملف يحمله الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان اليوم إلى لبنان بعد زيارة قصيرة إلى الرياض، وتتوضح صورته في قابل الأيام بتعويل كبير أن تكون أحداث الـ7 من تشرين الأول وما خلفها قد غيرت شيئاً في نفوس الساسة اللبنانيين، لكن هذا مستبعد جداً، فالمتاريس السياسية على حالها، وتكرار نفس التجربة حتماً لن يقود إلى نتيجة مختلفة، إلّا إذا كان الموفد الفرنسي آتياً بمعجزة باريسية.
وقد استعرنا مطلع قصيدة الشاعر اللبناني الكبير إيليا ابو ماضي الذي لطالما تغنى من خلالها بجمال هذه البلاد بصورة شعرية فريدة من نوعها عندما قال "وَطَنُ النُجومِ أَنا هُنا حَدِّق أَتَذكُرُ مَن أَنا"، وحرّفنا بعضاً من كلماتها لتكون عنواناً لهذه المقالة، فربما لحسن حظ ابو ماضي أنّه لم يعاصر هذه الحقبة السياسية من تاريخ لبنان والتي تحوّل قصيدته اليوم إلى نوع من رثاء.