سؤالان أساسيان لمرحلة ما بعد غزّة كيف سيستثمر حزب الله في النتائج داخلياً وما مصير رئاسة الجمهورية؟

رغم هول الخسائر وفداحة المأساة خرجت حماس منتصرة من خلف حطام غزة، ليدخل بعدها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الى محاكمة محتومة، ويسجّل للتّاريخ أنّ حربه على غزّة رسمت له مستقبلاً أسود. على مدى خمسة وأربعين يوماً صمدت المقاومة في مواجهة حرب إسرائيل على غزة. غيّرت الصّورة النمطية عن جيش إسرائيل الذي لا يقهر، وهزّت الكيان عسكرياً ومعنوياً وخلقت واقعاً مغايراً على الحدود مع الجنوب اللبناني. يعني خروج حماس منتصرة من حرب إسرائيل على غزّة نصراً لمحور الممانعة في المنطقة وضمنه وأوّله إيران وحزب الله في لبنان، ليكون السّؤال بديهيّاً كيف سيستثمر هذا الإنتصار على مستوى ملفّات المنطقة وفي لبنان، حيث الملفّات المتراكمة أوّلها والأهمّ ملف انتخابات رئاسة الجمهورية.

تنقسم الآراء في لبنان بين من يجزم أنّ انتصار غزّة سيترجم تحريكاً للرئاسة لصالح دعم مرشّح محور الممانعة سليمان فرنجية، وبين من يرى استحالة في استثماره على هذا النّحو ما لم يتمّ التوافق على مرشّح ثالث خارج مرشّحي الفريقين.

في ردّه على سؤال قال المرشّح الرئاسي سليمان فرنجية في مقابلته الأخيرة إذا انتصرت حماس فستكون النتيجة لصالح محور الممانعة ما سينعكس حكماً، بحسبه، على موازين القوى الداخلية في لبنان فتتعزّز حظوظه الرئاسية. بدا كلامه بمثابة ردّ على كلام سابق لرئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل نبّه من خلاله حلفاءه قبل الخصوم من محاولة استثمار نتائج الحرب الاسرائيلية على غزة في الملفّ الرئاسي. ما يخشاه باسيل الذي احتضن وتياره موقف حزب الله وأيّد حربه الاستباقية على الحدود مع فلسطين المحتلة، أن يصبّ نصر حماس والمحور المؤيّد في صالح ترشيح سليمان فرنجية. لموقفه ما يبرره. ففي كواليس حزب الله ومحور الممانعة من يتوعّد بأنّ فوز جبهة غزّة سيعزز حضور محور الممانعة في المنطقة وسيكون حزب الله أوّل المستثمرين في الملفّ الرئاسي اللبناني.

طوال فترة اندلاع الحرب حوّل حزب الله اهتمامه نحو جبهتي غزّة والجنوب، وطوى صفحة الرئاسة نهائياً وغيّبها عن نطاق بحثه في العلن وخلف الكواليس. الرهان على جبهة غزّة كان كبيراً وقوياً. ليس على مستوى انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان فحسب. فالاستحقاق على أهمّيته ليس إلّا واحداً من الملفّات التي ستتأثّر بنتائج الجبهة وتبني عليها، لكنّ القصة تتعلّق بوجود محور ومستقبله من اليمن إلى العراق فسوريا وصولاً إلى لبنان. منذ اندلاع الحرب توحّد المحور على اعتبار أنّ سقوط حماس يعني سقوط المحور بكامله، ولذا كانت الأولويات للميدان العسكري. أمّا وقد دخلت المنطقة في هدنة قد يطول أمدها فمن المتوقّع أن يعاود الملفّ الرئاسي حضوره وبهمّة فرنسية مجدداً. فقد أعلن المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في حديث مع "فرانس انفو" عن عودته قريباً إلى لبنان لتحريك الملفّ الرئاسي. قال إنّه "ليس مطمئنّاً إلى الوضع فيه نظراً للأحداث الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط." ونبّه من "أنّ الحرب تطرق أبواب لبنان ولا يوجد رئيس للجمهورية والمجلس النيابي لا يجتمع، لذلك من الضروري التخلّي عن عقليّة المنافسة وانتخاب رئيس للجمهورية". ليس معلوماً ما إذا كان لودريان سيأتي حاملاً صيغة حلّ معيّنة أو اقتراح رئاسي جديد لكن عودته تعيد الدّور الفرنسي إلى الواجهة بعد فترة من الحراك انتهت إلى تسجيل فشل ذريع في إحداث خرق رئاسي أو لمجرّد المونة على أيّ طرف من الأطراف المعنيين بالرئاسة الأولى. وتأتي عودته هذه المرّة في ضوء علامات الاستفهام الكبرى التي يطرحها محور الممانعة حول دور فرنسا في الحرب الإسرائيلية على غزّة، واعتبارها حماس وحلفاءها منظّمات إرهابية، فضلاً عن إعطائها لإسرائيل حقّ الدفاع عن النفس من دون شروط.

لا تشي عودة لودريان إن حصلت بأيّ خرق محتمل أو تطور منتظر

لودريان العائد قالها صراحة "لا نعلم لمن نتوجّه في لبنان أو مع من نتكلّم، ويجب على اللبنانيين الوعي بأنّ هناك أخطاراً داهمة، وأنّه أمرٌ طارئ أن يكون هناك رئيس في هذه الاحوال المشحونة بالذات، وأنا لا افهم اللامبالاة من المسؤولين الذين عليهم الاستيقاظ". ما يفسّر على أنّ الضيف الفرنسي لا يحمل جديداً وقد لا يجد من يستقبله من الأطراف الأساسية المعنيّة بالإستحقاق، ولاسيما حزب الله الذي بات لديه ألف علامة استفهام على دور فرنسا ومبادراتها التي لا تصل إلى أيّ نتيجة مرجوّة أو تحقيق خرق سواء لدى المعارضة أو الموالاة.

لا تشي عودة لودريان إن حصلت بأيّ خرق محتمل أو تطور منتظر على ما يؤكّد مصدر سياسي، وليس معلوماً ما إذا كانت بلاده ستعود إلى سابق عهدها في دعم ترشيح فرنجية أو لديها مرشّح آخر تقترحه، وهو ما تستبعده المصادر التي تعتبر أنّ فرنسا خرجت من لعبة الرئاسة اللبنانية، وليس لديها أوراق ضغط تلعبها بينما دخلت قطر بقوّة على الملفّ، وليس بعيداً عودة الموفد القطري ليستأنف حراكه بعدما يفرغ من ملفّ التبادل بين حماس والإسرائيليين، خاصّة وأنّ قطر هي المحطّة الثانية التي قصدها وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان بعد نهاية زيارة للبنان خُصّصت لبحث المرحلة الثانية ما بعد الحرب على غزّة.

تلك المرحلة التي ستكون مدعاة خلاف جديد سيتسرّب إلى لبنان نتيجة استمرا ر الخلاف على رئاسة الجمهورية، فمن جهة سيتعاطى حزب الله حكماً على أنّه الطرف المرتاح على وضعه وحلفائه، ومن حقّه أن يستثمر في نتائجها فيتتشدد أكثر تجاه ترشيح فرنجية، مراهناً على نتائج مباحثات إيران مع أميركا والسعودية، ومن جهة ثانية سيستمرّ رفض المعارضة والتيّار لفرنجية.

سؤالان أساسيان لمرحلة ما بعد غزّة كيف سيستثمر حزب الله في النتائج داخلياً وما مصير رئاسة الجمهورية؟ الجواب على السؤالين سابق لأوانه من وجهة حزب الله، أما التيار والمعارضة فلا يزالان يعتبران أنّ الرئاسة شأن مسيحي، وشرطه توافق المسيحيين ولا يمكن الاستثمار فيه بناء على نتائج الإقليم.

يعتبر التيار الوطني الحرّ أنّ أحداً لن يكون بمقدوره أن يفرض رئيساً للجمهورية ، ذلك أن نتائج جلسة ١٤ حزيران أظهرت التعادل السلبي بين الطرفين، ما يجعل تطبيق غالب ومغلوب في لبنان استحالة. وتمضي مصادره قائلة أنّه "ليس ممكناً أن يفرض حزب الله مرشحاً رئاسياً مرفوضاً مسيحياً، ولا إمكانية لتأمين 86 نائباً لإنتخابه، وإذا حصل ذلك من دون موافقة أكثرية النواب المسيحيين فهذا مشروع شرخ بين اللبنانيين". لا يساوم التيار ولا يتساهل بموضوع الشراكة والتوازن والحقوق السياسية والدستورية، ولا يفهم لماذا سيكون بين المكوّنات السياسية من يريد كسر إرادة المسيحيين في شأن مسيحي ووطني حساس للغاية.