لا يختلف اثنان على أنّ الوضع في الضفّة الغربيّة، في ظلّ حكومة بنيامين نتنياهو التي تهيمن عليها الأحزاب السياسية اليمينية المتطرّفة، يزداد تدهوراً منذ ما قبل السابع من تشرين الأول

على عكس باقي الحروب التي شهدها قطاع غزّة، تدحرجت الحرب الدائرة حاليّاً بين إسرائيل وكتائب القسّام منذ الأسبوع الأول إلى الضفّة الغربية، ما يهدّد بانهيار السّلطة الفلسطينية المعترف بها دولياً بالكامل ويبشّر بولادة شكل جديد من السلطة.

ففي أمر عمليّات الجيش الإسرائيلي، يمكن الحديث عن جهد أساسي وآخر ثانوي.

البداية مع الجهد الأساسي للعمليّات العسكرية الذي هدف إلى:

- تهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة حتى لو كان تهجيراً قسرياً، وذلك من أجل البدء بتنفيذ مشروع "قنال بن غوريون" الذي سيمتد من خليج العقبة حتّى البحر الأبيض المتوسط.

- القضاء على كتائب القسّام "الجناح العسكري لحركة حماس"، من أجل تسليم السّلطة فيها إلى "السلطة الفلسطينية" المنهارة أصلاً.

- عدم إشعال جبهة جنوب لبنان – كونها الأخطر بالنّسبة لإسرائيل.

إنتقالاً إلى الجهد الثانوي لأمر العمليات، حيث لم يبقَ إلّا جبهة الضفّة الغربية التي تهيمن عليها "إسرائيل" أساساً. غير أنّ تصاعد الاشتباكات هناك يوماً بعد يوم بين الفلسطينيين من جهة والمستوطنين اليهود وقوات الأمن الإسرائيلية من جهة ثانية، جعل عملية الاحتواء صعبة للغاية، ولجم الاشتباكات شبه مستحيل. رغم ذلك، تراهن إسرائيل على حليفتها "السّلطة الفلسطينية" التي ستكافح بقوّة من أجل استعادة النّظام.

على أيّ حال، بات من المؤكّد أن السلطة الفلسطينية ستفقد السيطرة داخل الضفّة الغربية في حال التمادي في استفزازها للشعب الفلسطيني. أمّا، وفي حال فقدت إسرائيل السيطرة على الضفّة، فلن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تطال الاضطرابات الأردن المجاور.

هل تنفجر الضفّة الغربية؟

في عودة إلى الثلاثاء الماضي، قامت القوات الإسرائيلية بقتل ثمانية فلسطينيين في الضفة الغربية خلال مداهمة قامت بها في بلدة طولكرم، ليرتفع عدد القتلى الفلسطينيين في الضفة إلى 170 قتيلاً منذ بدء عملية "طوفان الأقصى". هذا وقد أفادت معلومات مؤكّدة أنّ المستوطنين اليهود استولوا على المزيد من أراضي الضفّة بالتزامن مع عملية قتل الفلسطينيين تلك.

لا يختلف اثنان على أنّ الوضع في الضفّة الغربيّة، في ظلّ حكومة بنيامين نتنياهو التي تهيمن عليها الأحزاب السياسية اليمينية المتطرّفة، يزداد تدهوراً منذ ما قبل السابع من تشرين الأول. وما تضاعُف بناء المستوطنات الإسرائيلية والتحرّكات العلنية لضمّ أجزاء كبيرة من الضفّة الغربية سوى خير دليل على ذلك. كلّ ذلك والسلطة الفلسطينية، التي تعاني من محدودية سيطرتها على الضفّة منذ تأسيسها، لا زالت مستمرّة في ضعفها وفسادها وانقساماتها الداخلية، ما جعلها عاجزة عن لجم تعديات المستوطنين اليهود.

فضلاً عن ذلك، فإنّ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والبالغ من العمر 88 عاماًوالمنتهية ولايته منذ مطلع العام 2009، وتشهد الفصائل الفلسطينية المختلفة في الهيئة الحكومية التي تهيمن عليها فتح تنافساً في ما بينها على منصب رئاسة السلطة. هذه الانقسامات ستمتدّ حتماً إلى صفوف أجهزة الأمن الفلسطينية المسؤولة عن المنطقة (أ) في الضفة الغربية، حيث تُحكِم السلطة الفلسطينية سيطرتها المدنية والأمنية الكاملة، كما المنطقة (ب) حيث تتمتّع السلطة الفلسطينية بالإدارة المدنية تحت إشراف أمني إسرائيلي.

إذاً باتت الأرضية الصّلبة مهيّأة لجذب شباب حماس وباقي الفصائل في الضفة الغربية لزيادة تصعيد الاشتباكات مع الجيش الإسرائيلي والمستوطنين الإسرائيليين.

ماذا يعني حصول ذلك؟ انزلاق السّلطة الفلسطينية إلى المزيد والمزيد من الزعزعة والاختلال.

الأردن في خطر

في مقارنة بسيطة بين قطاع غزة والضفّة الغربيّة، وبالرغم من المقاومة الشرسة من قِبل الفلسطينيين داخل القطاع، غير أنّه من السهل احتواء القتال بسهولة نظراً لصغر حجم المنطقة. ويكون ذلك من خلال محاصرة كامل القطاع والسماح باللجوء إلى سيناء فقط، حيث تحتفظ مصر بوجود عسكري قوي يمنع ذلك. وعلى النّقيض تماماً من ذلك، فإنّ مساحة الضفة الغربية تبلغ 16 ضعفاً مساحة غزة وهي أكثر اكتظاظاً بالسكّان، ما يعزز احتمال تنفيذ عملية عسكرية إسرائيلية لدفع الفلسطينيين للّجوء إلى الأردن المجاور، حيث ينتمي أكثر من نصف السكان إلى أصول فلسطينية.

فهل الأردن فعلاً في خطر؟ بعد نكبة العام 1948، خضعت الضفّة الغربية لحكم الأردن، إلى أن سيطرت عليها إسرائيل عام 1967 في أعقاب النّكبة. وبدلاً من التخلّي عن القتال، لجأ مقاتلو منظّمة التحرير الفلسطينية والكثير من المدنيين إلى الأردن بحثاً عن أرض بديلة، حيث سعت المنظّمة حينها إلى تعزيز موقعها هناك. وبحلول العام 1970، كانت منظّمة التحرير الفلسطينية قد أنشأت وجودًا على شكل دولة داخل المملكة الأردنية، وبدأت دعوتها للإطاحة بالنظام الملكي. عندها جاء ردّ الملك حسين بن طلال بن عبد الله الأول، ملك الأردن، قاسياً من خلال صراع "أيلول الأسود" الذي أسفر عن انتصار الجيش الأردني على منظمة التحرير الفلسطينية، وطردها إلى لبنان.

الحكومة الأردنية تدرك جيداً الضغوطات الداخلية التي تتعرّض لها

أحداث العام 1970 هذه حفرت في نفسية السياسيين والسياسة الأردنية، خاصّة وأنّ القادة الأردنيين كانوا يشعرون منذ العام 1967 بالقلق من أن يشكّل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في الضفة الغربية تهديداً مباشراً لاستقرار المملكة الهاشمية. وما زاد من حدّة هذه المخاوف في السنوات الأخيرة فشل عملية السلام ونموّ المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية إضافة إلى الحروب العديدة في غزّة، رغم اتفاق السلام الذي عقد بين إسرائيل والأردن عام 1994. هذا ما دفع بالعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، لانتقاد إسرائيل بشكل أوضح من المعتاد منذ هجوم "طوفان الأقصى".

لا شكّ أنّ الحكومة الأردنية تدرك جيداً الضغوطات الداخلية التي تتعرّض لها، وتعي واجباتها من حيث بذل المزيد من الجهود للتخفيف من خطر الوضع الفلسطيني المحدق بها. لكن خياراتها ستبقى محدودة، كدولة صغيرة، في ظلّ غياب أي حلّ إسرائيلي – فلسطيني. فقد كانت عمّان تأمل، منذ بدء عملية "طوفان الأقصى"، أن يبقى الصراع محصوراً في قطاع غزة، ذلك لأنّ حروب المنطقة خلال الأعوام السابقة لم تفلح في زعزعة أمن واستقرار الضفة الغربية، وبالتالي الأردن. لكن، وللأسف، لم يعد خافياً على أحد أنّ إسرائيل تسعى إلى تغيير النّظام في غزة، وأن أولى تداعيات هذا التغيير ستكون كسر النظام الهشّ في الضفة الغربية. وهذا هو آخر سيناريو قد يفضّله الأردنيون، على عكس حركة حماس التي تسعى إليه، حيث لن يختلف المشهد عندها بين كلّ من الضفة الغربية وغزّة.

بناء لما تقدّم، ولطالما خشيت الأردن من تنامي قوّة حماس ومن خلفها، خاصّة وأّن ملك الأردن، عبد الله الثاني، كان قد حذّر في العام 2004 من قيام "الهلال الشيعي" الممتدّ من الخليج الفارسي إلى البحر الأبيض المتوسط، والذي من شأنه زعزعة استقرار دول الخليج والمنطقة بأكملها. وبعد أن بات هذا الهلال حالياً على وشك تهديد الأردن، نتساءل: هل ستحصل إيران على موقع استراتيجي عند حدود الأردن من العراق شرقاً وسوريا شمالاً والضفّة الغربية؟