العتمة التي أصبح من شبه المؤكّد تخييمها على لبنان بين يوم وآخر وإلى أجل غير محدد بعد، ستترافق هذا العام مع نزوح أكثر من 30 ألف مواطن من القرى الجنوبية...
مع اقتراب نهاية العام ترتفع احتمالات غرق لبنان بالعتمة الشاملة، مجدداً. إنّها قصة "إبريق زيت" مناقصات الفيول، التي تعيد إنتاج نفسها مراراً وتكراراً، مع كلّ ما تتضمّنه هذه المسألة من إشكاليات، من دون كلل أو ملل.
باختصار، تُعدّ الجهة الشارية مناقصات شراء الفيول لتأمين حاجة الكهرباء، وتفضّ العروض وترسي الالتزام على الفائز. ترفض الهيئات الرقابية المناقصة بحجّة مخالفتها للأصول القانونية. تتظلّم الجهة الشارية لدى مجلس الوزراء بحجّة خطر الانقطاع التام للكهرباء، ومداهمة الوقت أمام فتح مناقصة جديدة. الحكومة ترفض الانصياع لرغبة الجهات الشارية، في أكثرية المرّات. فيعود شبح انفصال الشبكة "بشكل كامل"، بعد نفاد مادّة الفيول المُشغّلة لمحطّات الإنتاج، ليخيّم على لبنان. مُهدّداً بعزل مرافِقه الأساسية من المطار ومحطّات الاتصال وبقيّة الإدارات المدنية والعسكرية.
رفض المناقصة
ما حصل مؤخّراً، وعاد ليهدّد بسقوط لبنان بالعتمة الشاملة في موسم أعياد نهاية العام، لا يشذّ عن هذه القاعدة. وزارة الطاقة فتحت بتاريخ 20 تشرين الأول الماضي مناقصة لاستبدال حوالي 125 ألف طن من النّفط العراقي الثقيل بـ"غاز اويل" و"ديزل اويل" لتأمين احتياجات الفيول لشهر كانون الأول. تقدّمت ثلاث شركات، هي: Petraco و BBEnergyوADNOC. إلّا أنّ عرض الأخيرة رُفض نتيجة إرساله بالبريد، و"تقصدت Petraco تقديم عرض تغطية - offre de couverture - من أجل تأمين المنافسة"، بحسب المعلومات. فلم يبق في الميدان إلّا BBEnergy التي قدّمت عرض 72 دولاراً و89 دولار لطن "ديزل أويل" و"الغاز أويل" على التوالي. فأوصت هيئة الشراء العام بإلغاء المناقصة واعادة فتح أخرى جديدة تراعي الشفافية والقوانين.
مسبّبات الرفض
جملة من الأسباب اجتمعت لتحوّل هذه المناقصة إلى "صوريّة، يغيب عنها التنافس"، بحسب مصدر من هيئة الشراء العام. وأهمّ هذه الأسباب:
- تخفيض الجهة الشارية جرياً على عادتها مهلة الإعلان إلى الحدّ الأدنى. بحيث تم تخفيضها إلى 15 يوما. وهذا الأمر من شأنه أن يؤدّي إلى تقليص القاعدة التنافسية وإحجام العارضين المحتملين عن المشاركة في المناقصة.
- حضور وزير الطاقة والمياه بـ "تصرّف غير مألوف"، جلسة فضّ العروض، وتدخّله طالباً من مدير عام وزارة الاقتصاد إرسال الإفادة المتعلّقة بانطباق أحكام قانون مقاطعة العدو، لصالح شركة petraco الممثّلة في لبنان بـ خليل خوري ابن شقيق وزير العدل هنري خوري، والتي لم يتضمّنها الملف الأصلي. وذلك لانّ الشركة المذكورة تؤمن غطاء المنافسة في هذه المناقصة. وذلك بما يتعارض مع نصّ المادة 100 الفقرة الأولى، من قانون الشراء العام، التي تعتبر أنّ لجنة التلزيم يجب ان تعمل بشكل مستقلّ عن الجهة الشارية، أي وزارة الطاقة في هذه الحالة.
- عدم تضمين دفتر شروط المناقصة طلب التصريح صاحب الحق الاقتصادي، بما يتناقض مع توصية هيئة الشراء العام لكلّ الجهات الشارية إظهار هذا الملف، لما له من أهمية على صعيد احترام الشفافية.
- فتح العروض المالية قبل التأكّد من إكمال المستندات، فكانت المفاجأة أنّ شركة petraco تقدمت بعرض أسعار لا يتطابق مع دفتر الشروط. حيث تقدمت بعرض مالي لمادة DIESEL OIL من دون مادة GAS OIL خلافاً لمكوّنات السعر التي ورد النص عليها في دفتر الشروط الخاص بالصفقة.
محاولة الالتفاف على الرفض
هذه الأسباب مجتمعة دفعت بهيئة الشراء العام إلى إرسال كتاب توصية لوزير الطاقة والمياه بإلغاء المناقصة. إلّا أنّه عوضاً عن إلغاء المناقصة بأسرع وقت ممكن وإعادة فتح أخرى جديدة وفقا للأصول، أرسل كتاباً إلى مجلس الوزراء، نشرته يوم أمس أكثر من وسيلة إعلامية مرئية، يشكو فيها رئيس الهيئة. بيد أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي توجّه كما عُلم، إلى بعض الوزراء على هامش جلسة مجلس الوزراء بالقول، إنّ "وزير الطاقة يهدّد بالعتمة إذا لم يسر مجلس الوزراء بمناقصة الفيول، لتكن العتمة وهذه المناقصة لن تمرّ في مجلس الوزراء".
موقف وزارة الطاقة
على الرغم من أنّه لغاية كتابة هذه السطور لم يصدر ردّ رسمي من وزارة الطاقة على طلب إلغاء المناقصة، والحلول البديلة التي ستلجأ إليها، تقول مصادر مقرّبة من الوزير أنّ "المتضرّر الوحيد من إلغاء الصفقة، هو المواطن، الذي سيبقى مضطرّا لدفع فاتورة مرتفعة من دون أن يحصل على الكهرباء". وبرأي المصادر فإنّ المناقصة الملغاة تراعي أهمّ شرطين وهما:
- عدم هدر المال العام.
- احترام المواصفات التقنية لنوعية الفيول المستورد.
وعليه فإنّ تعطيل المناقصة بسبب نقص ورقة في الملفّ، يجب أن لا يحول دون تأمين الكهرباء للمواطنين في هذه الظروف الاستثنائية. خصوصاً أنّ فتح مناقصة جديدة يتطلّب وقتا طويلاً وعندها يكون الأذى قد وقع بالفعل على المواطنين.
البدائل التي يفترض أخذها بعين الاعتبار
التحجج بالعتمة لقبول صفقات غير قانونية ليس وحده ما لم يعد مقبولاً، إنّما عدم تدارك الجهات الشارية، ومنها وزارة الطاقة، لاحتمال فشل الصفقات لأيّ سبب كان. إذ كان من المطلوب بحسب المصادر "عدم الانتظار حتى اللحظة الأخيرة لانتهاء مخزون الفيول من أجل فتح مناقصات وقبولها على عيوبها، بحجة مداهمة الوقت. كما يجب أن يكون هناك إدارة مخاطر تضع البدائل المنطقية في حال فشل الصفقات".
العتمة التي أصبح من شبه المؤكّد تخييمها على لبنان بين يوم وآخر وإلى أجل غير محدد بعد، ستترافق هذا العام مع نزوح أكثر من 30 ألف مواطن من القرى الجنوبية، واحتمال توسّع الحرب لتطال كلّ لبنان. وهكذا سيتردّد المغتربون بالقدوم إلى لبنان في عيدي الميلاد ورأس السنة، وسيحجم السيّاح، وستطفئ المطاعم والفنادق أنوارها، ويعيّد اللبنانيون على ضوء الشّموع وأزيز الرّصاص.