كلمّا ضاق الخناق على غزّة وسّع حزب الله وكثّف من حجم عمليّاته عند الحدود الجنوبيّة اللبنانية...

بناءً للمعطيات المتوافرة لمتابعي جبهة غزّة عسكرياً وسياسياً فإنّ أميركا أبلغت إسرائيل أنّ الفترة القصوى لانتهاء عمليّاتها في غزّة يجب ألّا يتجاوز نهاية الشهر الجاري كحدّ أقصى وعليها أن تحسم أمرها. حسب التقارير فإنّ الأميركي لم يعد بمقدوره تحمّل تبعات استمرار الوضع على حاله وهو يستعدّ لخوض انتخابات رئاسية، كما أنّ رقعة هذه الضغوط بدأت تتّسع وهو ما يتلمّسه الإسرائيلي ويتوجّس منه إلى درجة اعتراف وسائل إعلام إسرائيلية بأنّ "حزب الله" يشنّ حرب استنزاف ضدّ الجيش الإسرائيلي بكلّ معنى الكلمة.

كلمّا ضاق الخناق على غزّة وسّع حزب الله وكثّف من حجم عمليّاته عند الحدود الجنوبيّة اللبنانية. لم يغيّر عدم إدراكه المسبق بعملية حماس في السابع من تشرين في قواعد اللعبة، حيث التقى معها على وحدة ساحات المواجهة، وفتح جبهة جنوب لبنان مؤازراً في عملية إشغال للإسرائيلي.

ينذر واقع الجنوب بالأسوأ مع تمدّد عمليات القصف الإسرائيلي لتخرج عن قواعد الإشتباك المتّفق عليها، لكنّه بتقديرات العارفين لا ينذر بحرب شبيهة بحرب تموز. فالحزب يحرص على تجنيب لبنان حرباً واسعة النّطاق انطلاقا من جبهة الجنوب أو المغامرة من دون حسابات مسبقة لعملية من هذا النوع. لكن من الواضح أنّه وفي سياق الأهداف التي وضعها فهو يراعي مسألتين أساسيتين بمثابة خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها حالياً:

- التعامل الإسرائيلي مع جبهة الجنوب.

- الوضع الميداني للمقاومة في غزة.

أساسان يبني عليهما اعتبارات التصعيد للمعارك والمواجهات التي تشهدها ساحة الجنوب.

ينذر واقع الجنوب بالأسوأ مع تمدّد عمليات القصف الإسرائيلي لتخرج عن قواعد الإشتباك المتّفق عليها

لا يغيب عن حزب الله وجود طرف داخل إسرائيل يدعو إلى تصعيد جبهة الشمال لتكون درساً للمحور، يحاول الأميركي لجمه حماية لمصالحه وليس خشية على لبنان. يدرك الأميركي أنّ توسيع إسرائيل لحربها لتشمل لبنان يعني أنّ مصالحه في المنطقة باتت عرضة للإستهداف على نطاق أوسع ممّا هو حاصل اليوم وأنّه لن يكون بمنأى عن هجمات المحور في قواعده العسكرية المنتشرة في المنطقة.

أمّا في مسألة قطاع غزة فيبدو أنّ الحرب ستكون طويلة من وجهة نظر عسكرية، وهذا كان تقدير الأمور منذ اندلعت لحظة المواجهات. كان ينوي الإسرائيلي السيطرة على غزّة لكنّه أخطأ الحسابات، فيحاول اليوم قدر الإمكان التوغّل إلى وسط غزة. لكن خطوة كهذه لا تعدّ انتصاراً إسرائيلياً لأنّ المقاومة لم تظهر كامل قوّتها بعد، ولديها من الإمكانيات ما يكفي لمواصلة المواجهة ولم تستنفد بعد عنصر المفاجأة، وليس من المستبعد في أيّ لحظة أن نشهد هجوما للمقاومة الفلسطينية يعيد الإسرائيلي إلى قواعده السابقة خارج غزة على ما تقول مصادر عسكرية.

في تقييم محور الممانعة فإنّ حرب إسرائيل على غزة فشلت بدليل عجزها عن الدخول والتوغّل، بل الاكتفاء بوجود دبّاباتها في المناطق الداخلية لغزّة، بينما يخشى جنودها المغادرة والتواجد على الأرض حسب ما تقتضي الأعراف العسكرية، كما أنّ إسرائيل فشلت في النيل من أيّ مسؤول في المقاومة الفلسطينية أو أسره، ما ينفي سيطرتها على القطاع.

في مجريات الأحداث تتحدّث المصادر العسكريّة عن ثلاث نقاط يدور النقاش بشأنها:

-الهدنة بعد وقف إطلاق النار.

-إطلاق سراح الأسرى.

-الحلّ وسيناريو ما بعد وقف الحرب على غزة.

في الشقّين الأوّلين فهما واقعان لا محالة، وهي مسألة وقت إذ يمكن في أيّ لحظة إعلان التوصّل إلى هدنة ستسري مفاعيلها حكماً على جبهة الجنوب، أمّا في سيناريو ما بعد الحرب فحوله تدور النقاشات حيث تكشف المصادر النّقاب عن وجود طروحات إسرائيلية متطرفة وأخرى أميركية، ترفضها حماس نهائياً وتتعلّق بعزل مناطق معيّنة، ونصب خيم عليها لتكون بمثابة مناطق معزولة.

لا ترى المقاومة الفلسطينية أنّ مسألة طرد إسرائيل من غزّة وعودة أهلها إليها مسألة قابلة للنقاش أو المساومة، والكلمة اليوم هي للميدان وحده الذي يقرّر ايّ طرف هو الغالب، وعليه أن يقرّر مصير غزة، فإذا ما انتصر محور المقاومة فإنّ منطق إسرائيل وأميركا سيسقط حكماً، وتسقط معه المقترحات الأميركية والإسرائيلية. وفي حال تمكّنت إسرائيل من تحقيق هدفها بالقضاء على حماس وهو مستبعد، بإمكانها فرض سيطرتها، لكنّ أمراً كهذا يستحيل تحقيقه من وجهة حزب الله الذي يعتبر أنّ النيل من حماس داخل فلسطين، يعني محاولة القضاء عليه في لبنان انطلاقا من الجبهة الشمالية.

ردّاً على سؤال عن أفق المواجهات جنوباً يعيد حزب الله التّأكيد أنّ ظروف الميدان هي التي تحكم، وأن جبهة الجنوب متوقّفة على مستوى المواجهات في غزّة ومصيرها، ورغم مرور 40 يوماً على المعارك فلم يستخدم كامل قوّته بعد ولم يستنفد خطط المواجهة كلّها بعد. يلحق بالإسرائيليين إصابات مؤكّدة بدليل محاولة الإسرائيلي جرّه إلى توسيع قواعد الاشتباك كحجّة لشن ّحرب. لكنّ حزب الله لا يزال مرابضاً خلف حسابات الميدان وما تفترضه، واضعاً كلّ الاحتمالات على طاولة البحث. عملياً كلّ من يتابع جبهة الجنوب ويعاينها على أرض الواقع يلاحظ أنّ المواجهات ستكون طويلة، بدليل استعدادات حزب الله الذي أخلى القرى والبلدات الواقعة على الحدود، وبات يتعاطى معها كمنطقة عسكرية فاصلة، تحّسباً لأيّ عمل عدواني أوسع من قبل إسرائيل.

لا ينفي حزب الله احتمال الحرب ولا يؤكّده. واقع الميدان يحدّد آفاق المعركة، والهدف واحد، عدم إسقاط حماس ومنع سيطرة إسرائيل على كامل غزة، لأنّ هدفاً كهذا سيقود إسرائيل إلى تحقيق هدف ثان عبّر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي يوم قال "إنّ اسرائيل ستنتهي من حرب غزة لتتفرغ لجبهة الجنوب". ما يعني إعلان حرب لن تقف عند حدود.