صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنّه قرّر إلغاء زيارته لإسرائيل التي كانت من ضمن برنامجه بسبب حربها غير الإنسانية على غزة
7 تشرين الأول... طوفان الأقصى المباغت... ردة فعل إسرائيل... إعادة تمثيل التاريخ نفسه بين الفعل وردّة الفعل. فقد أدّى هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة والصراع الذي أعقبه إلى إحباط جهود تركيا الأخيرة لتجنّب التورّط في الوضع الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما أجبر أنقرة على العودة إلى الساحة الإقليمية لمنافسة إيران التي تتمتّع بنفوذ أكبر وسيطرة أكثر على حماس وعلى نتيجة هذا الصراع.
خلال هذا الأسبوع، وأمام حشد من جمهور حزب العدالة والتنمية الحاكم، صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنّه قرّر إلغاء زيارته لإسرائيل التي كانت من ضمن برنامجه بسبب حربها غير الإنسانية على غزة، وأكّد أنّ حماس ليست منظّمة إرهابية، بل هي مجموعة من المقاومين يدافعون عن أرضهم. وفي الوقت نفسه، خلال مؤتمر صحفي مشترك في الدوحة بين رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان، اتهم فيدان إسرائيل بارتكاب "جريمة ضدّ الإنسانية"، محذّراً من أنّ أيّ عملية برّية تقوم بها إسرائيل على قطاع غزة، ستحوّل القتال الى مذبحة.
استراتيجية تركيا من الناحية الجيوسياسية
ركّزت أنقرة كامل اهتمامها على منطقتها الشمالية عندما شنّت حماس هجومها غير المسبوق على إسرائيل، حيث كانت تأمل الاستفادة من الانتصار الكبير والمفاجئ الذي حققته حليفتها أذربيجان في منطقة "ناغورنو كاراباخ" المتنازع عليها مع أرمينيا، وجهدت بالعمل على تكثيف فرص توسيع نفوذها في حوض البحر الأسود في ضوء انكفاء روسيا الى حدٍ ما، بسبب حربها في أوكرانيا.
أما في ما يتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط، عمدت تركيا في السنوات الأخيرة، إلى محاولة تحسين علاقاتها مع إسرائيل وكذلك مع الدول العربية.
جاء هذا التحول في سياسة أنقرة بعد عدة انتكاسات في نهجها السابق منها:
- لم يتمكّن وكلاء تركيا، وخاصّة الإخوان المسلمين، من الاستفادة من انتفاضات الربيع العربي، حيث ساعدت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الدول العربية والفصائل المناهضة للإسلاميين المتشدّدين.
- ساعدت روسيا الحكومة السورية على هزيمة المنظّمات المناهضة لها والتي كانت مدعومة من تركيا، ممّا أدى إلى حصر القوات التركية في مناطق محدودة في شمال سوريا.
- دعم واشنطن للقوّات الكردية في شمال شرق سوريا، هو حكماً يشكّل عقبة رئيسية أخرى أمام أنقرة.
- الأزمة السياسية والاقتصادية الداخلية التي شهدتها تركيا عقب الانقلاب الفاشل عام 2016 ساهمت في حدوث أزمة مالية كبيرة.
هذه العوامل أجبرت تركيا على إعادة التفكير في استراتيجيتها التي كانت قد اعتمدتها، ورأت أن تحسين علاقاتها مع دول الخليج والشرق الأوسط هو أمر ضروري لإنعاش اقتصاها، وقد أدركت أنّ هناك الكثير من العوائق في طريقها للتحوّل إلى دولة رائدة في المنطقة. فعمدت حكومة أردوغان إلى التحرّك من أجل تطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد أن كانت قد توتّرت في العام 2010 عندما حاولت القوات البحرية التركية كسر الحصار الإسرائيلي على غزة، وعندما تحرّكت أنقرة لدعم حليفتها العربية الوحيدة قطر خلال خلافها مع المملكة العربية السعودية.
نتيجة لذلك، كان لدى إيران وحماس مصلحة مشتركة لمنع هذا التقارب الإقليمي، خاصّة مع إحراز المملكة العربية السعودية وإسرائيل تقدّماً سريعاً نحو التقارب الدبلوماسي بينهما. "طوفان الأقصى" هزّ المنطقة وأجبر أصحاب المصلحة الرئيسيين على تغيير سلوكهم تجاه إسرائيل، وبالتّالي تقويض الاستراتيجية الأميركية لإدارة المنطقة.
بناءً على ما ورد أعلاه، هل عملية "طوفان الأقصى" كانت قراراً إيرانياً سعت إليه إيران لقيام إسرائيل بردّة فعل انتقامية واسعة النطاق، ينتج عنها قيام المملكة العربية السعودية بتعليق مفاوضات التطبيع وقيام تركيا بفرملة تقاربها مع إسرائيل؟
تركيا بحاجة إلى اتخاذ موقف صارم للحفاظ على أوراق اعتمادها كبطل داعم للقضية الفلسطينية، بالإضافة الى الحفاظ على مكانتها داخل العالم العربي والأوساط الإسلامية العالمية.
لقد حققت إيران وحماس نجاحاً أكبر بكثير مما كانتا تأملان فيه. لقد أجبروا اللاعبين الإقليميين ليس فقط على النأي بأنفسهم عن إسرائيل، بل أيضًا على اتخاذ موقف صارمة ضدّها. وانتقدت المملكة العربية السعودية ومصر والأردن إسرائيل بشدة.
لذلك، كانت تركيا بحاجة إلى اتخاذ موقف صارم للحفاظ على أوراق اعتمادها كبطل داعم للقضية الفلسطينية، بالإضافة الى الحفاظ على مكانتها داخل العالم العربي والأوساط الإسلامية العالمية.
وها هي أنقرة اليوم تعمل على إعادة تقديم نفسها بشكل مختلف، يصفه البعض بأنّه انعطافة حاول البعض فرملتها من خلال ما نشرته مواقع أميركية نقلاً عن مصادر حول طلب تركيا من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس مغادرة أراضيها. هذه المعلومات التي نفتها حركة حماس على لسان عضو مكتبها السياسي عزت الرشق واصفا إياها بـ"المزاعم الأميركية". وجاءت التصريحات الرسمية التركية الأخيرة هذه لتحسم الجدل الدائر في هذا المجال. فهل تنضم تركيا إلى قطر للعب دور الوسيط بين حماس وإسرائيل، أم أن تل أبيب ستتعامل مع المواقف التركية الأخيرة على أنها داعمة لحماس؟
تعود تركيا إلى المشهد الإقليمي من بوابة غزة، وهي البوابة التي يسعى أكثر من طرف إلى الإطلالة منها على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المنفتح على أبعاد يمكن أن تتطور لتشمل المنطقة كلها.