7 تشرين الأوّل، التّاريخ الذي باغت وأذهل "إسرائيل" والعالم بأسره، والتفسير الذي قدّمه الكثيرون عن الهجوم المفاجئ لكتائب القسائم (الجناح العسكري لحماس) والذي أظهر هشاشة الجيش الذي قُهر، هو "الفشل الاستخباري العسكري". ولكنّ هذا التفسير يظلّ قاصراً عن الإحاطة بالإنجاز الذي حققته كتائب القسام لجهة التدريب والتجهيز والسرّية والتوقيت.

غزة وإسرائيل والشرق الأوسط

تحت عنوان "فوجئنا ونحن نيام وكانت سراويلنا في الأسفل"، وجد الجيش الإسرائيلي نفسه بمواجهة منظّمة متمكنة من الأرض وتتمتع بقدرات عملانية وتنطلق من عقيدة "استشهادية"، وليس بمواجهة جيش تقليدي، وقد اعترف بعض جنوده بأنّهم وقعوا ضحية عنصر المفاجأة.

المحلّل السياسي الإسرائيلي عمير رابوبوت قال في إحدى مقابلاته، "إنَّ هذا المستوى من عنصر المفاجأة لم يحدث ولا حتّى في حرب 1973"، مضيفاً "إنّ أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أُصيبت بحالٍ من الذهول، وأنّ الثقة الإسرائيلية بالجيش اهتزت حتّى النخاع".

طرق الخداع الاستراتيجية التي اعتمدتها كتائب القسّام

عملية "طوفان الأقصى" لم تكن وليدة لحظتها فجر ذلك السبت، إنّما سبقتها حِرَفية عالية اعتُمدت من قَبْل في نسج طرق من الخداع الإستراتيجي والتي تمثلت بـ: 

  • أعطت انطباعاً عامّاً بأنها غير مستعدّة للحرب.
  • أبقت على خططها العسكرية الهجومية تحت طابع سرّي للغاية.
  • أظهرت أنّ الحرب قد أنهكتها وليس لديها مصلحة بذلك، وأنّ تأمين حوافز العمل في القطاع هو الأهم عند جمهورها.
  • أقدمت على تدريب عناصرها بنفس الوتيرة على مرأى من الجيش الإسرائيلي وقرب السياج، وهذا ما جعل الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية تقع في فخّ الروتين القاتل.
  • امتنعت عن القيام بأيّة عملية عسكرية لأكثر من عامين، حتّى أنّها لم تحرّك ساكناً في تلك المواجهة التي وقعت بين إسرائيل والجهاد الإسلامي.
  • ابتعدت عن التكنولوجيا واعتمدت على التدريبات البدائية والتقليدية.
خطوات الهجوم الأساسية 

كذلك، اعتمدت حماس خطوات أساسية انطلقت منها فكرة الهجوم العسكري، وكانت بمثابة ركيزة قبل أن تدقّ ساعة الصّفر، إذ كان أهمّها:

  • إطلاق من 3000 إلى 5000 صاروخ بالتزامن مع هجوم عناصر كتائب القسام.
  • تأمين الأرض والافساح بالمجال لسلاح الهندسة لتفجير الجدار الاسمنتي والحاجز الالكتروني.
  • عبور عدد من المقاتلين، وتوسيع الفجوات بالجرافات لدخول المزيد من المقاتلين.
  • تدمير بعض المواقع القيادية وتدمير أجهزة الاتصال أو التشويش عليها.
  • نقل الأسرى باتجاه غزة.
أسباب النجاح

أمّا أسباب النجاح فكثيرة وتكاد لا تحصى إلى حين انقشاع غبار المعركة، إلّا أنّ الواضح منها حتى الساعة: 

  • عنصر المفاجأة، وهو الأكثر تأثيراً في نتيجة أيّ حرب مقارنة بباقي العناصر.
  • اختيار يوم السبت 7 تشرين الأول ومصادفته آخر أيام "عيد العُرش".
  • الغطرسة الإسرائيلية و"الغرور"، حتّى أنّها لم تكترث لتحذيرات المخابرات المصرية.

ما حصل حتّى اليوم بغضّ النّظر عن أسبابه المعلومة والمجهولة هو فشل إسرائيلي يقابله انتصار فلسطيني، وإنّ نجاح العبور الثّاني بعد 50 عاماً سيبقى "ماركة مسجلة" سيشهد لها العالم أجمع، وتاريخاً تتناقله الأجيال المقبلة وسيدرّس في المعاهد العسكرية.

متى تنتهي، أو... كيف تنتهي؟ هو السؤال والشغل الشاغل اليوم على الساحتين الإقليمية والدولية الكبرى، إلّا أنّ المؤكّد الأول أنّه لا يوجد إنجاز عسكري اسرائيلي يُذكر حتّى هذه اللحظة سوى الوحشية في قصف المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ. أمّا المؤكد الثاني فهو تغيير وجه المنطقة الجيوسياسي وفقاً للنتائج، فما حصل من خلط للأوراق وعلى أكثر من طاولة، ومن كان بالأمس يهمّ بإعادة إحياء مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز من بيروت، بات اليوم يعيد حساباته ويدقّقها أكثر فأكثر ويستخلص العبر من الفعل الفلسطيني وردّ الفعل الإسرائيلي وحجم الإسناد والتعاطف الذي حظيت به تل أبيب من قبل واشنطن والغرب، فقط لأنّها اسرائيل وليس لأيّ اعتبار آخر، لا نفط ولا أموال ولا غيرها، فضلاً عن مقارنة الأزمة الاسرائيلية بالأوكرانية و"اللبيب من حجم الدعم يفهم".