هل تعمد "إسرائيل" إلى اجتياح غزّة لإبادة كتائب عزالدين القسّام - الجناح العسكري لحركة حماس، وتنعكس النتيجة حكماً على زعزعة استقرار المنطقة لصالح إيران؟
يمثّل هجوم كتائب عزالدين القسّام غير المسبوق على غلاف غزّة نقطة تحوّل في صراع إيران مع "إسرائيل" المستمرّ منذ ما يقارب الـ 45 عاماً. هذا النجاح هو إنجاز لعِلمٍ عسكري يُدَرّس، وهو ثمرة التخطيط الإيراني على طريقة حَبْك سجّادة عجمية من منمنمات السجاد الإيراني الذي يعتبر أيقونة الصناعة اليدوية في العالم.
حبكة حبكة وغرزة غرزة ومن ثم عبور...
يصرّ المسؤولون الإسرائيليون والأميركيون على أنّه ليس لديهم معلومات استخباراتية مؤكدة عن تورّط إيران في هجوم 7 تشرين الأوّل المباغت، والذي شارك فيه مبدئياً حوالي 1000 مقاتل من حماس والفصائل الفلسطينية. أمّا مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان فقد صرّح للصحفيين بتاريخ 10 تشرين الأول إنّ "إيران متواطئة في هذا الهجوم، لكنّ واشنطن ليس لديها حتّى الآن دليل على تورّطها بشكل مباشر"، وأردف قائلاً، إن الاستخبارات الأميركية تعمل جاهدة لجمع معلومات للتأكّد ممّا إذا كانت إيران متورّطة بالتخطيط للهجوم أم لا. وبتاريخ 9 تشرين الأول، صرّح المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي من خلال مؤتمر صحفي قائلاً: "لمجرّد عدم وجود دليل عن تورّط إيران، فهذا لا يعني بالضرورة أنّ طهران ليست وراءه"، وقال إنّ إسرائيل ليس لديها أيّ دليل على تورّط إيران لغاية الآن.
في المقلب الآخر، كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يأمل في التوصل إلى اتفاق أو تقارب دبلوماسي "إذا صحّ التعبير" مع إسرائيل، يمكن من خلاله تحقيق مخطط المملكة العربية السعودية الذي اعلن عنه عام 2002 خلال القمّة العربية في بيروت، والذي أطلقه الملك عبدالله بن عبد العزيز، والذي سمّيَ بـ "مبادرة السلام العربية" من أجل السلام في منطقة الشرق الأوسط بين فلسطين وإسرائيل، وهدف إلى انشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود العام 1967، وعودة اللاجئين الفلسطينيين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلّة، مقابل الاعتراف والتطبيع مع إسرائيل، لكنّ التقارب الدبلوماسي بين الرياض وتل أبيب أوقفه ولي العهد السعودي حالياًّ بانتظار تداعيات ما سينتج عن العبور الثاني.
الأخذ بالثأر
تداعيات نجاح عبور كتائب القسّام صبّ في المصلحة الإيرانية بشكل رئيسي، حيث اعتبرت طهران أنّها اخذت بالثأر عن عمليات الاستخبارات الإسرائيلية السرية التي استهدفت العلماء والمنشآت النووية الإيرانية، واغتيال اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس وذراع العمليات العسكرية الخارجية للحرس الثوري الإسلامي، خاصّة وإنّ مقتله إلى جانب الهجمات الإسرائيلية والاضطرابات السياسية والاقتصادية الداخلية الخطيرة في إيران، هدّد بشكل خطير مصداقية طهران وهزّ نظامها.
غزّة والحرب بين إسرائيل وإيران
قرار إسرائيل بـ "سحق حماس" والتي شبّهها بنيامين نتنياهو بأنّها مثل داعش، من المرجّح أن يؤدّي إلى نتيجة غير متوقّعة تتمثّل بزعزعة استقرار المنطقة وتصبّ في مصلحة طهران، حيث يمثّل هجوم كتائب القسّام هذا نقطة تحوّل كبيرة في صراع إيران مع إسرائيل المستمر منذ أكثر من أربعة عقود، وقد استغل النظام الإيراني الخلافات المزمنة داخل العالم العربي، بالإضافة الى النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لفرض تأثيره في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وصولاً إلى اليمن. ومن المعروف أنّه في حال تدهور الأمور إلى مرحلة فتح جبهة جديدة فإن المنطقة بأسرها ستدخل في نفق لا خروج منه من دون أثمان كبيرة، ليس معلوماً على وجه اليقين من سيدفع ومن سيحصّل.
وهو تأثير يمكن الاستدلال عليه من خلال حضور حلفاء إيران بشكل أكبر على الأرض وفي المؤسسات. كما أنّ هذا التأثير تمثّل بدعم الموالين لإيران بالمال والسلاح والتدريب العسكري، ويمكن في هذا المجال اعتبار الصواريخ والعتاد الذي تستخدمه الفصائل الفلسطينية خلال المعارك الأخيرة من مظاهر هذا التأثير وترجمته.
يقال أنّ إيران استغلّت انشغال العالم العربي بقضاياه الداخلية وانقساماته عن فلسطين لتتقدم وترفع راية دعم الفلسطينيين في حربهم لاستعادة أرضهم. مدتهم بالمال والسلاح مستعينة بحزب الله عبر الأنفاق التي ربطت غزة بالأراضي المصرية. وفيما كان العرب يفاوضون وبشكل متقطع الدول الغربية حول سبل إحياء عملية السلام المتوقفة أو الميتة سريرياً، كانت طهران تعزز علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية وقياداتها وأجنحتها العسكرية، وترسم معها الخطط والخطوات التي خلصت إلى ما وصلت إليه قدرات حماس والجهاد العسكرية والقتالية.
ختاماً، ومن دون أدنى شك أن هجوم إسرائيل الجوي على غزّة للتحضير الى الهجوم البرّي، يمكن أن يؤدي أكثر إلى إضعاف حماس وقدرات جناحها العسكري، لكن سيظل حلفاء إيران يشكلون تهديدًا كبيراً على إسرائيل، والتهديد الأكبر سيأتي من قِبَل قوى إقليمية جديدة وفاعلة ممثّلة بحزب الله الذي أثبت بأنه ثبّت معادلة التوازن العسكري بين لبنان وإسرائيل التي تمتلك أقوى جيش في المنطقة. فهل ستفترس إسرائيل "طوفان الأقصى"؟