هواجس اللبنانيين تبدأ بالسؤال عن سرّ تلك الأعداد الكبيرة للسوريين المهاجرين إلى لبنان، وأسباب استقرار الكثيرين منهم في البقاع والجنوب وضاحية بيروت الجنوبية
موجة هجرة المواطنين السوريين إلى لبنان في الشّهرين الأخيرين وكثافة أعدادهم تثيران هواجس اللبنانيين جميعاً فيما تقف الحكومة عاجزة عن اتّخاذ أيّ قرار، ويختلف أعضاؤها ومكوّناتها علناً ويتقاذفون التهم، وهمّ كلّ منهم رفع المسؤولية عن نفسه ورميها على الآخرين.
هواجس اللبنانيين تبدأ بالسؤال عن سرّ تلك الأعداد الكبيرة للسوريين المهاجرين إلى لبنان، وأسباب استقرار الكثيرين منهم في البقاع والجنوب وضاحية بيروت الجنوبية، علماً أنّ كل المناطق اللبنانية تشعر بوطأة الوافدين الجدد. وتكثر الأسئلة أيضاً عن النسبة المرتفعة جدّاً من الشباب الذكور الوافدين، وعمّا يأملون أن يجدوه في لبنان، وهو بلد منكوب منهوب يسعى معظم أهله إلى هجرانه أملاً بحياة مستقرّة آمنة وكريمة.
ويزداد السؤال أيضاً عن كيف تمكّن هؤلاء السوريون من عبور الحواجز والمتاريس وخطوط التماس بين مختلف المناطق والقوى في سوريا للوصول إلى لبنان، لتحقيق ما يريدون تحقيقه.
ويكبر الهاجس خصوصاً مع انتشار أخبار عن دخول أكثر من ألف درّاجة نارية سورية يومياً إلى لبنان في الأسابيع القليلة الماضية، من خارج المعابر الرسمية مع حمولة غير محدّدة، يخشى بعض اللبنانيين أن تكون أسلحة أو ذخيرة. ودأب حساب الجيش اللبناني على منصة أكس (تويتر سابقاً) على نشر أخبار عن مداهمات لمخيمات النازحين السوريين في مناطق لبنانية مختلفة ومصادرة أسلحة وذخائر وتوقيف عصابات تهريب عبر الحدود.
باستثناء مواقف متفرّقة وخجولة، لم نسمع من المسؤولين اللبنانيين إلّا أنّهم يرفضون هذه الموجة الجديدة من النّزوح، لأنّ لبنان غير قادر على تحمّلها. لم نر أيّاً منهم تقدّم باقتراح أو مشروع أو خطّة للتعامل مع هذا الوضع الجديد. بل رأينا وزير خارجيتنا يعترف من واشنطن بعدم قدرته على اجتراح أيّ حلّ قائلا إنّ المجتمع الدولي يريد إبقاءهم في لبنان ولن يستطيع لبنان أن يفعل شيئاً، حتّى أنّ زيارته لسوريا، حين سيزورها، لن "تشيل الزير من البير."
كيف تمكّن هؤلاء السوريون من عبور الحواجز والمتاريس وخطوط التماس بين مختلف المناطق والقوى في سوريا للوصول إلى لبنان
الواضح أنّ السوريين الذين يغادرون بلدهم لا يريدون العودة إليه. جلّهم يريد التوجه إلى أوروبا، بدءاً من قبرص، وبعضهم لا يعارض البقاء في لبنان. وقد اقترح أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير على الفرقاء السياسيين الالتقاء لبحث أزمة النزوح السورية تحديداً واتخاذ قرار بتسهيل سفرهم من الشاطئ اللبناني إلى أوروبا، باعتبار أنّ جميع المختلفين في لبنان متّفقون على رفض بقاء النازحين السوريين، قديمين أو جدداً، على الأراضي اللبنانية، رغم أنّه يعرف أنّ اقتراحه غير قابل للتطبيق.
في الثامن عشر من أيّار الفائت، التأمت في سلوفينيا الجمعية العمومية للنواب أعضاء الحزب الديمقراطي المسيحي في دول الاتحاد الأوروبي. بحث المجتمعون، من جملة ما بحثوا، الوضع في لبنان وقرروا بالإجماع التزام موقف الحكومة اللبنانية في شأن النازحين السوريين.
وبعد أسبوعين اجتمع البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ وصوّت بـأكثرية ساحقة على قرار يطلب من لبنان الإبقاء على النّازحين السوريين على أراضيه في انتظار الحلّ السياسي في سوريا. ومن الذين صوّتوا على هذا القرار نواب نرويجيون في البرلمان الأوروبي كانوا قد صوّتوا قبل أسبوعين في أوسلو على إخراج بضع مئات من النازحين السوريين الموجودين في بلدهم.
واللافت في قرار البرلمان الأوروبي أنّه يناقض كلّ التطمينات التي أعطاها الاتحاد الأوروبي للبنان لجهة مراعاة وضعه ومعاناته المالية والاقتصادية والاجتماعية واضطرار شعبه للهجرة، وأنّه يؤكد سياسة الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزب بوريل، الذي اشتبك مع الوفد اللبناني إلى اجتماع البرلمان الأوروبي، وشدّد على أنّ الاتحاد يعارض المسّ بوضع النازحين السوريين في لبنان في الوقت الحاضر.
أمّا التطوّر الجديد، وهو الاجتياح البشري للحدود اللبنانية من المعابر غير الشرعية، فينقل قضية النازحين إلى وضع مختلف. فإذا كان الذين دخلوا إلى لبنان في العقد الماضي، منذ بداية الحرب في سوريا يُعَدّون نازحين فإنّ الوافدين الجدد يصنّفون في خانة المهاجرين غير الشرعيين، تماماً كموجات المهاجرين الذين يجتاحون حدود الولايات المتّحدة من المكسيك أو أولئك المهاجرين الأفارقة وغير الأفارقة الذين يختارون المجازفة والغرق في البحر أملاً في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية على البقاء في بلدانهم.
هذا التطوّر الجديد أربك وكالات الأمم المتحدة لا سيّما المفوّضية العليا للاجئين، باعتبار أنّ وضع النزوح لا ينطبق على الوافدين الجدد، بل ينطبق عليهم وضع الهجرة الاقتصادية، وهذه لها أصولها، وفي صدارتها الدخول من المعابر الشرعية والتسجيل لدى الأجهزة الرسمية اللبنانية المختصّة. ويطالب العديد من القوى السياسية في لبنان الأجهزة المعنية بأن تعامل الواصلين السوريين الجدد كما تعامل الدول الأخرى المهاجرين غير الشرعيين.
وتخشى وكالات الأمم المتحدة المعنيّة بالنزوح السوري ألّا تتمكّن من الوفاء بوعدها للسلطات اللبنانية، إعطاءها الداتا المتعلّقة بالنازحين السوريين وأعدادهم ومن أيّ منطقة أتوا وأين يقيمون في لبنان، إضافة إلى سائر المعلومات المطلوبة.
ومن المفترض أن تسلّم الأمم المتحدة لبنان الداتا في آخر هذا الشهر. لكنّ مسؤولاً أممياً يقول إنّ السبب هذه المرّة ليس عدم رغبة الوكالات الدولية في التعاون، بل الخشية أن تكون هذه المعلومات قد تجاوزها الزمن مع هذا الدفق الجديد من المهاجرين غير الشرعيين.