هذه المقالة عن الكاتب اللبناني الفرنسي أمين معلوف، الذي انتخب أمس أمينًا مدى الحياة للأكاديمية الفرنسية. ومن يتبوّأ هذا المنصب يكون مولجاً بالدفاع عن اللغة الفرنسية وتوسيع انتشارها، والإشراف على إعداد القاموس الجديد.
ما إن انتشر الخبر حتى بدأنا نبحث عن رقم هاتفه الخاص طامعين بمقابلة عبر الهاتف أو عبر حلقة تلفزيونية مغلقة أو البريد الالكتروني. الوسيلة ليست مهمة بمقدار الوصول إليه وحضّه على الكلام. أوليس أوّل لبناني يُنتخب على رأس الأكاديمية الفرنسية، أوليس ابن رشدي المعلوف الصحافي والأديب الذي أصدر جريدة الصفا من 1962 إلى 1969؟ وها نحن نعيد إصدارها بحلّتها الإلكترونية!
وفي معرض البحث عن رقم الهاتف أخبرنا الكثيرون ممن سبقونا في المحاولة، من زملاء ودبلوماسيين مهتمّين بالثقافة والتربية ومعينين في العاصة الفرنسية، بأنّ أمين معلوف قلّما يردّ على هاتفه بسبب كثرة انشغالاته ولأنّه كلّما كان في باريس تكون أيامه مزدحمة بالمواعيد والنشاطات.
ومع ذلك حاولنا واتّصلنا وما زلنا نتّصل وننتظر.
تكلّمنا مع عدد من أقاربه ومع بعض أصدقائه، من أيام الدراسة من مدرسة سيّدة الجمهور إلى جامعة القديس يوسف في بيروت. تحدّثنا أيضا إلى زملائه في مهنة المتاعب إذ كتب في مادة الاقتصاد السياسي في جريدة النهار قبل أن يقرّر التحوّل الى كتابة القصص والروايات، خصوصاً الروايات التاريخية التي يسعى من خلالها إلى الاهتمام بالثقافات واختلافها وتفاعلها. وصلنا حتّى إلى زملاء له في الأكاديمية الفرنسية، خصوصاً الذين شاركوا في انتخابه في منصبه الجديد. جميعهم قالوا أعربوا عن سرورهم ومباركتهم له وأبلغونا أنّنا نحتاج إلى الكثير من الحظ والدعاء لنتمكن من التحدث إليه في الأيام القليلة التي تلي انتخابه.
قال لنا أحدهم: "أمين لا يحبّ الإجابة على أسئلة عن لبنان والسياسة، وخصوصاً عن سياسة هذه الأيام. إنّه يحبّ الخوض في الأمور الثقافية."
قال واحد آخر من رفقاء الدراسة "إنّ الطالب الجامعي أمين معلوف كان ذا ميول يسارية وكان هذا ما يحزن والده الذي كان على نقيضه في السياسة." أضاف: "ربما كان هذا من الأسباب التي دفعته إلى الانصراف عن جريدة والده إلى جريدة النهار."
واحد من زملائه الصحافيين قال إنّه كان يتوقع أن يحقّق أمين منجزات في عالم الصحافة. لكن انتقاله إلى عالم القصّة والرواية التاريخية فاجأه، ثم ما لبثت هذه المفاجأة أن تبدّدت بعد حصوله على جائزة غونكور عن روايته صخرة طانيوس بعدما نشرها العام 1993. هذا الزميل قال إن معلوف نقل في روايته تلك صورة حقيقية عن بلدته عين القبو، وأبرز ثقافات مختلفة وأضاء على جانب مأساوي يستند إلى قصة حقيقية.
وفيما نحن ننتظر الرد على رسالتنا التي طلبنا منه فيها الحصول على مقابلة صحافية نسأله فيها عمّا يعنيه انتخابه هو بالذات بأغلبية أربعة وعشرين صوتاً ليكون حارس اللغة الفرنسية وموسّعاً لرقعة انتشارها، ولنسأله أسئلة أخرى تتعلّق بافتخارنا كلبنانيين بهذا الإنجاز العظيم الذي حقّقه ومبتعدين عن الغوص في السياسة اللبنانية التي قيل لنا إنه لا يحبّ الغطس فيها، طنّ هاتفي الذكي ولفتني إلى ورود رسالة نصية جوابية أوقفتني فرحا، لكنني جلست محبطا حين قرأتها: "عزيزي لقد أخطأت العنوان، فأنا لست الأمين مدى الحياة. عذراً لردّك خائباً، ولكن لن أقول لك من أنا."