المقارنة بين بنود خطّة طوارئ وزارة الطاقة المقرّة في آب 2022، وبين ما تضمّنته الفاتورة عن شهري تشرين الثاني وكانون الأول، يُظهر إحدى عشرة مخالفة

رضي اللبنانيون بـ "همّ"، رفع تعرفة الكهرباء و"دولرتها" على سعر صيرفة، و"همّ" الخطط العشوائية في قطاع الطاقة لم يرضَ بهم. وإذا كان العجز عن تأمين الكهرباء بين 8 و10 ساعات يومياً، هو "أوّل غيث" المخالفات، فإنّ التطبيق على أرض الواقع "انهمر" انتهاكات للخطط المرسومة. حيث لم يقتصر الخلل على فرض "خوّات" على الفاتورة، إنما تجاوزه إلى التمييز بين المواطنين وتحقيق خروقات دستورية وقانونية.

بصفته مشتركاً متضرراً، لا خبيراً مخضرماً في المجال، تقدّم غسان بيضون بكتاب ربط نزاع مع مؤسسة كهرباء لبنان حول قرارات رفع التعرفة، وتمّ التبليغ حسب الأصول. ويكفل الكتاب المقدّم حفظ الحقّ بمراجعة مجلس شورى الدولة، والطّعن بقرار رفع التعرفة. ذلك أنّ التقدّم بـ "ربط النزاع" يجب أن يكون ضمن مهلة الشهرين من استلام أوّل فاتورة، تشكّل التطبيق الفعلي لقرار رفع التعرفة. ويحقّ بناء على ربط النزاع هذا، طلب المستندات الأصلية، استناداً على حق الوصول إلى المعلومات، المباشرة بالإجراءات القانونية التي قد تصل إلى حدّ وقف تنفيذ القرار لإعادة النّظر به وتعديله ليصبح منطبقاً على القوانين.

مخالفات التعرفة الجديدة

المقارنة بين بنود خطّة طوارئ وزارة الطاقة المقرّة في آب 2022، وبين ما تضمّنته الفاتورة عن شهري تشرين الثاني وكانون الأول، يُظهر إحدى عشرة مخالفة. ومنها:

- عدم مراجعة مجلس شورى الدّولة بخصوص رفع التعرفة واحتساب بدل التأهيل.

- تسعير سلعة الكهرباء بالدولار وعلى أساس سعر صرف غير رسمي ومتحرك ويتجاوز سعر صرف السوق.

- تحميل المستهلك ما يتجاوز تكلفة المؤسّسة الفعلية بالدولار.

- استحالة معرفة المستهلك السّعر قبل الاستهلاك. وهو ما يتعارض مع أبسط قواعد حقوق المستهلك.

- احتساب سعر الصّرف بسعر أعلى من المعمول به في فترة إصدار التّعرفة.

- رفع التّعرفة من دون تدرّج وقبل تحقيق شرط لتغذية 8 إلى 10 ساعات. وهو ما يستوجب تخفيض كلفة الاشتراك بشكل مواز ومتناسب مع ساعات التغذية.

- استحداث بدل تأهيل غير مبرّر ولغايات مخالفة لتسميته وللقانون ولأنظمة المؤسسة والنّصوص الخاضعة لها.

- وجوب تسديد رسوم بدل التأهيل والاشتراك بمعزل عن التغذية وحتّى دون استهلاك.

- تضمين الفاتورة الضريبة على القيمة المضافة دون التزام المؤسسة بمقتضيات فاتورتها والتعليمات الصادرة بشأنها.

- إمكانية زيادة 10 سنت على التّعرفة في حال لم تلتزم الدّولة بتسديد المتوجب عليها. وهو ما لا يتماشى مع مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة بما يخالف الدستور.

- إسقاط خطّة الطّاقة على إدارة الكهرباء رغم اختلاف وجهات النظر. ما يشكّل خرقاً لاستقلالية المؤسّسة وانتهاكاً للصلاحيات وتجاوز الوزارة لحدّ السّلطة.

التجاوزات في قطاع الطاقة لا تقف عند حدود

المسار القانوني لا يكفي وحده

هذا الكمّ من المخالفات، التي لا تقتصر أضرارها على مواطن بعينه، إنّما تطال كلّ المواطنين الملتزمين القانون والاقتصاد الشرعي، تتطلّب تحرّكات جماعية"، برأي غسان بيضون. وعلى الرّغم من أهمّيّة المسار القانوني للطّعن بالقرارات الجائرة والمخالفة، فإنّ "تحرّك اللبنانيين واعتراضهم مجتمعين على أرض الواقع وأمام مراكز اتّخاذ القرار، يشكّل عنصراً داعماً لإسقاط التعرفة الجائرة والمؤذية".

تعرفة تفضيلية للمستخدمين

التجاوزات في قطاع الطاقة لا تقف عند حدود. وبدلاً من أن "تلبد" كهراء لبنان على "عكر" التعرفة وما حملته من مخالفات، وسبّبته من نقمة لدى المواطنين، أصدرت قراراً لا يقلّ إشكالية. فقد عمدت مؤسسة كهرباء لبنان في جلسة مجلس الإدارة رقم 16 المؤرّخة بتاريخ 22 حزيران 2023، إلى اتّخاذ قرار يقضي بـ "تخفيض قيمة بدل استهلاك الطاقة الكهربائية للمستخدمين والأجراء والمتعاقدين في مؤسسة كهرباء لبنان، ولقدامى المؤسسة المنتسبين إلى النّظام الخاص بالخدمات الاجتماعية الإضافية. ولكلّ من مفوّض الحكومة وللمراقب المالي طيلة فترة ولايتهما لدى المؤسسة". وعدا عن التمييز الذي يحمله هذا القرار بين موظّفي الكهرباء مع بقية موظّفي مؤسّسات الدولة بشكل خاص، والمواطنين بشكل عام، فهو يشكّل "رشوة" لمفوّض الحكومة والمراقب المالي، اللذان يقومان بمهام المراقبة على قرارات وتصرّفات المؤسسة"، يقول بيضون.

"أكثر من ذلك فإنّ القرار لا يحمل موافقة وزير المالية المباشرة والصريحة. فقد ورد صراحة في متن القرار، ما حرفيّته: وبعد الاطّلاع على إحالة معالي وزير المالية رقم 3039 المدوّنة خطّياً بتاريخ 12 حزيران 2023 على المطالعة المرفوعة إلى معاليه من جانب المستشار القانوني لديه. في حين أنّ الأصول تفترض إرسال الوزير موافقة صريحة على القرار"، يؤكّد بيضون. هذا عدا عن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه "كيف رأى مجلس الإدارة إحالة داخلية في وزارة المالية؟!"

موافقة المالية بصورة "حكمية"

أمّا البدعة الأخرى فكانت تضمين القرار أنّه "بناء على رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل بشأن عرض قرارات مجلس الإدارة الخاضعة للتصديق عليه لوضعها موضع التنفيذ بعد اقترانها بالمصادقة". ما يفهم منه الطلب من الجهات المعنيّة التصديق المسبق على القرار، واختراع صلاحيات جديدة لهيئة التشريع. كما أنّ القرار اعتبر عدم إجابة وزارة المالية على قرار رفع رسوم المعاملات هو موافقة حكمية وتمّ السير بالقرار. وبرأي بيضون أنّ "الضابط لهذه المخالفات يجب أن يكون مجلس الوزراء متمثّلا برئيسه. إلّا أنّ الضغوط التي تمارس على وزيري الطاقة والمالية، وعدم تجرؤهما على رفض مطالب الرئيس التي تصبّ في خانة الإيحاء بإجراء الإصلاحات أمام الجهات الدولية، فتكون النتيجة المزيد من المخالفات الجوهرية التي لا ترهق المواطنين فقط، إنّما تشكّل نهاية لأصول العمل الإداري والمحاسبة العمومية.