أكّد بلينكن خلال الزيارة عزم الولايات المتحدة تأمين كلّ ما تحتاجه حكومة كييف لمواصلة القتال ضدّ روسيا، لذا فهو أعلن عن حزمة مساعدات أميركية جديدة لأوكرانيا بقيمة مليار دولار، ونيّة واشنطن تسليم الجيش الأوكراني ذخائر تحتوي على يوارنيوم منضّب.
الولايات المتحدة والغربيون يرسلون المال والعتاد بسخاء إلى أوكرانيا ولا يبخلون عليها بشيء حتى تبقى صامدة في مواجهة روسيا. لكنّ السؤال هو من سيستخدم هذا السلاح في أوكرانيا ضدّ الرّوس؟
ففي زيارة غير معلنة مسبقاً وصل وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن إلى كييف الأربعاء الواقع فيه 6 أيلول 2023، هي الرّابعة له منذ بدء العمليّة العسكرية الرّوسيّة الخاصّة في أوكرانيا في العام 2022. وقد أكّد بلينكن خلال الزيارة عزم الولايات المتحدة تأمين كلّ ما تحتاجه حكومة كييف لمواصلة القتال ضدّ روسيا، لذا فهو أعلن عن حزمة مساعدات أميركية جديدة لأوكرانيا بقيمة مليار دولار، ونيّة واشنطن تسليم الجيش الأوكراني ذخائر تحتوي على يوارنيوم منضّب.
لكنّ هذا لم يثر قلق موسكو التي أعلنت أنّ كلّ المساعدات الغربية لكييف لا يمكن لها أن تغيّر مسار الحرب، ولا يمكن لها أن تهزم الجيش الروسي. وتنبع نبرة الثقة الرّوسيّة من تقارير تفيد بأنّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي سيكون بحاجة لمن يستخدم الأسلحة الغربية في ظلّ عدم وجود من يحمل السّلاح في أوكرانيا.
ويبدو أنّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي يواجه أزمة عميقة في إيجاد الرجال الذين يمكن أن يتمّ تجنيدهم، في ظلّ الخسائر الجسيمة في الأرواح التي تتعرّض لها القوّات الأوكرانية في الميدان، وفي ظلّ هروب أكثر من أربعين بالمئة من الرّجال القادرين على حمل السلاح إلى أوروبا والولايات المتّحدة.
الجيش الأوكراني بحاجة إلى مقاتلين
وقد نقلت وسائل أعلام عن خبراء عسكريين فرنسيين تأكيدهم أنّ القوات المسلّحة الأوكرانية تعاني من مشاكل كبيرة وخسائر فادحة نتيجة الأعمال القتالية. كذلك فلقد نقلت الصّحف الفرنسية تحقيقات عن شباب أوكرانيين هربوا من أوكرانيا حتّى لا يتم تجنيدهم في الجيش، وقد أفاد بعضهم عن أنّه دُفع رشاوى وصلت إلى خمسة آلاف دولار حتّى يتمّ السماح لهم بمغادرة البلاد.
وأفاد بعض الفارّين من أوكرانيا ومن ضمنهم فارّون من الخدمة العسكرية، أنّ الحكومة الأوكرانية تقوم بنقل المجنّدين إلى الجبهة من دون تدريبهم مسبقاً، مما يؤدّي إلى ارتفاع القتلى في صفوفهم نتيجة نقص المعرفة والخبرة القتالية.
وقد بدأت كييف بتجنيد الرجال الذين تجاوزت أعمارهم خمسين سنة، ما يؤكّد المأزق الواقع فيه زيلنسكي لجهة تأمين الرجال القادرين على حمل السلاح. وباشرت سلطات كييف باعتقال الرجال الذين تجاوزت أعمارهم خمسين سنة، والذين رفضوا الالتحاق بالتجنيد، قبل أن يتمّ نقلهم بالقوة إلى الجبهة تحت طائلة التهديد بالإعدام. وبحسب شهود عيان، فإنّ أوامر التجنيد تصدر في جميع الأماكن المزدحمة ومن ضمنها محطّات النقل والمتاجر.
ولجأت سلطات كييف إلى خطوة غير مسبوقة، إذ أنّها تحاول التوصّل إلى اتفاق مع الحكومات الأوروبية لترحيل جميع الرجال الأوكرانيين القادرين على حمل السلاح إلى أوكرانيا، وتسليمهم إلى السلطات الأوكرانية حتّى يتمّ نقلهم إلى جبهات القتال.
وقال رئيس كتلة حزب خادم الشعب الأوكرانية الموالية لزيلنسكي، ديفيد اراخاميا في مقابلة تلفزيونية بأنّ حكومة كييف تقوم بتفعيل المساعدة القانونية الدولية حتّى تتمكّن وكالات إنفاذ القانون من تسطير مذكّرات للقبض على الرجال الأوكرانيين في أوروبا وإعادتهم لأوكرانيا حتّى يحملوا السلاح.
ويعتبر فيكتور ميدفيدشوك المعارض لزيلنسكي أنّ الدول الغربيّة ستدعم كييف في مسعاها هذا لأنّ الحرب الأوكرانية تعتبر مربحة لقادة هذه الدول، خصوصاً في ظلّ صفقات السلاح المجزية التي يتمّ التعاقد عليها لدعم كييف.
وهو يرى أنّه تم استنزاف الأوكرانيين الذين فرّوا من الحرب مالياً من قبل جميع الأطبّاء الذين يقررون أهلية الرجل من عدمها للتجنيد، ومجالس التجنيد، وحرس الحدود، والمهرّبين الذين ساعدوهم على الهروب إلى الغرب. وأنّ عليهم الآن أن يواجهوا مشكلة جديدة تتمثّل بدفع ثمن إعادتهم إلى أوكرانيا وأنّ اللاجئ الأوكراني الفارّ من الحرب سيضطر إلى دفع المزيد مقابل الرشاوى والمحامين، لذلك فهو سيحتاج إلى البدء بجمع المال لهذه المغامرة الباهظة الثمن الآن. وقد يضطر اللاجئون الاوكرانيون إلى التوجه لروسيا لضمان عدم تسليمهم إلى السلطات الأوكرانية.
أداء الاقتصاد الروسي
في المقابل فإنّ الغرب الذي يحاول إطالة أمد الحرب في أوكرانيا لاستنزاف روسيا يفشل في مسعاه. فلقد اعتبرت واشنطن والدول الأوروبية أنّ الاقتصاد الروسي لن يصمد كثيراً أمام العقوبات الغربية التي فرضت عليه بعد إطلاق موسكو لعمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا في شباط فبراير 2022.
باعتراف البنك الدولي الذي يقدم تقارير منحازة ضدّ موسكو، فإنّ روسيا عادت إلى قائمة الاقتصادات العشر الكبرى في العالم، مع حلولها في المرتبة الثامنة عالمياً نتيجة ارتفاع ناتجها المحلّي القائم إلى 2.3 مليار دولار، علماً أنّه قبل الحرب وقبل فرض أيّ عقوبات على الاقتصاد الروسي في العام 2014 كان الاقتصاد الروسي يحتلّ المرتبة التاسعة عالمياً. وقد اعترف البنك الدولي بأنّ أداء الاقتصاد الروسي كان أفضل بكثير ممّا هو متوقع.
والجدير ذكره أنّ تقرير البنك الدولي كان مجحفاً بحقّ الاقتصاد الروسي، إذ أنّ أداء هذا الأخير أفضل بكثير ممّا ورد في التقرير. فبحسب تقارير روسية أصبح الاقتصاد الروسي الخامس في العالم، بعد تجاوزه للناتج المحلّي القائم للاقتصاد الألماني، خصوصاً إذا ما تمّ الأخذ بالاعتبار القيمة الشرائية، ما يرفع القيمة الفعلية للنّاتج المحلي القائم في روسيا إلى 5.3 تريليون دولار، وهو ما يؤكّده محلّلون اقتصاديون محايدون.
تعتبر روسيا أنّ المعركة في أوكرانيا هي حرب بالوكالة مع الغرب يجب اعتماد النّفس الطويل فيها. ويرى القادة الرّوس أنّ هذه الحرب قد تمتدّ لسنوات مقبلة
وترافق هذا مع تقارير تفيد بأنّ العقوبات الأميركية والغربية على روسيا وانسحاب عدد كبير من الشركات الغربية من البلاد، أدّت إلى انتعاش الصّناعة والإنتاج المحلّي الذي بات يؤمّن أكثر من نصف حاجات السّوق المحلية من السلع المختلفة، وتأمين باقي السلع من دول صديقة وعلى رأسها دول منظومة شنغهاي للتعاون وبريكس بما يعزّز الشراكة معها.
إضافة إلى ذلك فلقد برهنت الصناعات العسكرية الروسية عن قدرتها على تزويد الجيش الروسي بما يحتاجه من عتاد حربي لعملياته في أوكرانيا. ولقد ظهرت تقارير غربية تشكّك بالقدرات العسكرية الروسية نتيجة لجوء قيادة الجيش الروسي إلى إعادة تأهيل أسلحة قديمة مثل دبابات T 62 و T 72 للقتال في أوكرانيا، إضافة إلى استيرادها سلاحاً من كوريا ودول أخرى. إلّا أنّ خبراء عسكريين روس مقرّبين من وزير الدفاع سيرغي شويغو أشاروا إلى أنّ السبب في ذلك يعود إلى أنّ مصانع السلاح الروسية تحولت إلى انتاج الأنواع الحديثة والمتطورة من السلاح الروسي، التي لا تريد موسكو أن تكشف عنه الآن عبر استخدامه في الحرب في أوكرانيا.
خاتمة
وتعتبر روسيا أنّ المعركة في أوكرانيا هي حرب بالوكالة مع الغرب يجب اعتماد النّفس الطويل فيها. ويرى القادة الرّوس أنّ هذه الحرب قد تمتدّ لسنوات مقبلة وبالتّالي فإنّ على روسيا ألّا تكشف جميع أوراقها عبر الكشف عن الإمكانات العسكرية المتطورة التي تمتلكها. ويؤكّد خبراء عسكريون روس أنّ الهدف الاستراتيجي لروسيا هو السيطرة على منطقة شرقي الدنيبر بالكامل، وأنّه إذا واصل الغرب حربه بالوكالة على روسيا في أوكرانيا فإنّ موسكو ستنتقل إلى المرحلة التالية التي ستسيطر فيها على كامل الأراضي الأوكرانية، بما قد يؤدّي إلى زعزعة استقرار دول شرق أوروبا وعلى رأسها بولندا وليتوانيا ولاتفيا واستونيا ومولدافيا، إضافة إلى منطقة البلقان.