يعتقد سياسيون مطّلعون أنّ الحراك الأميركي الديبلوماسي والعسكري في المنطقة هو عبارة عن "هجوم مضاد ناعم" الغاية منه عرقلة أو إبطاء الاتّفاق السّعودي ـ الإيراني...
أن يقول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لمناسبة ذكرى "التحرير الثاني": "عندما ندخل في شهر أيلول نكون قد دخلنا في مرحلة مهمّة جداً زمنياً على مستوى الاستحقاق الرئاسي". فذلك يدلّ بلا شكّ على أنّ أيلول المقبل مرشّح لأن يشهد كثيراً من التطوّرات الحاسمة المتعلّقة بانتخابات رئاسة الجمهورية، سلباً أو إيجاباً، علماً أنّه من نبرة كلامه أوحى بجدّيّة بأنّها قد تكون إيجابية.
وأن يتّهم نصرالله المعارضين بـ"الاستقواء على الفرنسيين" من خلال الهجوم على مهمّة موفدهم الرئاسي جان إيف لودريان والذي بات أيضاً موفد المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية، فذلك يعني، في رأي من قرأوا ما بين سطور كلمة السيد نصرالله، أمرين هما:
- إمّا أنّهم يشعرون بأنّ رياح الاستحقاق الرئاسي مع عودة لودريان الثّالثة الشهر المقبل ستسير بعكس ما تشتهي سفنهم وإنّ ما يجري حالياً من تصعيد هنا وهناك هو من قبيل السّعي لتوفير المخارج المطلوبة للحلّ اللبناني.
- وإمّا أنّ هناك فعلا "انقلاباً رباعياً" ضمن الخماسية على الدّور الفرنسي، خصوصاً بعدما أظهر اجتماعها الأخير في الدّوحة عجزها عن الخروج بتصوّر موحّد حيال الاستحقاق الرئاسي اللبناني.
غالب الظنّ عند كثير من السياسيين المشتغلين بالشّأن الرئاسي أنّ المعارضة ومنذ بيان "قوى المعارضة في مجلس النواب" الشهير قبل أسابيع تلقّت إشارات ما، وتحديداً من الأميركيين، للعمل على تغيير مسار الاستحقاق الرئاسي الذي بدا أنّه يتجه لمصلحة "الثنائي الشيعي" وحلفائه، في ضوء انطلاق الحوار بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" على رغم تكرار الأخير على تأكيد استمرار تقاطعه مع المعارضة على دعم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعورالذي زار لبنان خلال الأسبوعين الماضيين ومكث أربعة أيّام وطلب ثلاث مرات التواصل مع حزب الله عبر أصدقاء مشتركين، ولكنّه لم يلق تجاوباً.
ويكشف قطب معني بالاستحقاق الرئاسي أنّ المعارضة لا تستقوي فقط على الفرنسيين، وإنّما باتت تستقوي أيضا بالتطوّرات التي تشهدها سوريا، حيث إنّ المعارضة تعتقد أنّ تعرض النظام السوري للضعف، سينعكس على حلفائه في لبنان وبالتّالي انكسار شوكتهم وخفض سقوف موقفهم في الاستحقاق الرئاسي وطبخة الحلّ اللبناني الموعود.
وفي السياق، يعتقد سياسيون مطّلعون أنّ الحراك الأميركي الديبلوماسي والعسكري في المنطقة هو عبارة عن "هجوم مضاد ناعم" الغاية منه عرقلة أو إبطاء الاتّفاق السّعودي ـ الإيراني، ومنع إيران من التوصل إلى حلول عبر حوار بينها وبين كلّ دُول المنطقة تأسيساً على ذلك الاتّفاق الذي ترعاه الصّين، لأنّ واشنطن ترغب في التوصّل مع طهران إلى اتّفاق حول سوق الطّاقة في منطقة البحر المتوسط، بالاستناد إلى الاتّفاق الذي حصل بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البحرية بوساطة موفدها عاموس هوكشتاين. وفي الوقت نفسه فإنّ واشنطن المتّهمة بافتعال الحرب في السّودان تعمل على منع الحلّ في اليمن، فضلاً عن تأخير الحلّ السياسي في سوريا عبر الاتفاق السعودي ـ السّوري، وذلك من خلال حشدها العسكري في شرق الفرات وعلى الحدود السّورية ـ العراقية. واللافت أنّ التصعيد الأميركي "النّاعم" ظهر إلى العلن بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان للسعودية، ومبادرة وليّ العهد السّعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الاجتماع به وإعلانه قبول دعوة إيرانية لزيارة طهران ستعقب زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي للرياض ملبّياً دعوة العاهل السّعودي الملك سلمان بن عبد العزيز.
وفي رأي هؤلاء السياسيين أنّ الجمود الذي تشهده العلاقات السّعودية ـ السّورية منذ أسابيع هو نتيجة الضغوط الأميركية، إلّا أنّ هذه الضغوط قد تؤخّر هذا الاتفاق ولكن لا يمكنها أن تمنع تنفيذه، لأنّ فيه من البنود الحيوية لمصلحة البلدين ما يجعلهما يتمسّكان به وهما يعملان على تأمين البيئة الإقليمية اللازمة له، علماً أنّ الرئيس السوري بشّار الأسد جمّد الاتفاق الذي كان ينوي عقده مع تركيا إلى حين تحقيق اتّفاقه مع الجانب السّعودي.
على أنّ هذه التطوّرات التي تزيد من فترة الوقت الضائع في لبنان يحاول فريق المعارضة الاستثمار عليها ربّما بدعم الأميركيين وبعض دول المجموعة الخماسية لمواجهة ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية الذي يتمسّك به "الثنائي الشيعي" وحلفائه في الداخل والخارج، بالإضافة إلى الجانب الفرنسي الذي ما زال يعتبره الشخصيّة الواقعية الأنسب للمرحلة الراهنة والمستقبلية لبنانياً وعربياً ودولياً.
عودة هوكشتاين
هل حان أوان الحلّ اللبناني حسب التوقيت الأميركي؟ أم أنّ مرحلة الانتظار لم تنته بعد؟
في هذا الخضم، تتوقّف الأوساط السياسية باهتمام كبير عند زيارة الوسيط الأميركي هوكشتاين للبنان غداً، بما تحمله من خلفيّات ودلالات تعيد إلى الأذهان ما رافق المفاوضات التي رعاها بين لبنان وإسرائيل وأنتجت الاتفاق المكتوب على ترسيم الحدود البحرية، وكذلك أنتجت تعهّدات أميركية غير مكتوبة للبنان لم تفِ واشنطن بها بعد، وتتعلّق بوعود تقضي بتسهيل الحلول الداخلية للأزمة اللبنانية. ولذلك ستكون العيون مفتوحة على طبيعة اللقاءات التي سيعقدها هوكشتاين، الرسمية وغير الرسمية، المعلنة وغير المعلنة، على رغم أنّه سيزور الناقورة للاطّلاع على عمل حفّارة "توتال اينرجيز" في البلوك "الرّقم تسعة" الذي انطلق الأسبوع الماضي.
والملاحظ أنّ هوكشتاين يأتي في ظلّ ذروة التّصعيد الاميركي والديبلوماسي والعسكري في المنطقة، والذي لم يغيّر كثير في المعادلات السائدة، كذلك يأتي في ظلّ استمرار الحوار الأميركي ـ الايراني غير المباشر الذي أنتج أخيراً إطلاق أسرى وإفراج عن أموال إيرانية بمليارت الدولارات محجوزة في الخارج، في ظلّ حديث عن احتمال توصّل الجانبين إلى اتّفاق على الملفّ النووي الإيراني.
وفي المعلومات أنّ الجانب اللبناني سيفاتح هوكشتاين بالوعود الأميركية بتسهيل الحلّ اللبناني، تحت طائلة العودة إلى التصعيد في ملفّ النفط والغاز، وذلك من بوّابة أنّ لبنان قد يعيد النّظر في الترسيم، خصوصاً وأنّ الخرائط البريطانية في العام 1923 تظهر أنّ حدود لبنان هي في الخط 29 وليس الخط 23 الذي كرّسه اتّفاق التّرسيم الأخير، ما قد يعرّض المصالح النفطيّة والغازيّة الأميركيةّ والاسرائيليّة في البحر المتوسّط لأزمة كبيرة. وقيل أنّ هوكشتاين قرّر المجيء إلى لبنان بعد تلقّيه رسائل لبنانية تعبّر عن امتعاض من دور الولايات المتحدة الاميركية في الاستحقاق الرّئاسي، بما يعدّ خروجاً عن تعهّداتها ووعودها الشفوية في هذا الصّدد أيّام التفاوض على التّرسيم. علماً أنّ البعض كان يتوقّع أن يزور هوكشتاين لبنان الأسبوع الماضي ليرافق الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي إلى منصّة الحفر، ولكنّه لم يأتِ.
لكن، وفي أي حال، فإنّ ما يمكن هوكشتاين ان ينقله ستكون له انعكاساته على الاستحقاق الرئاسي، بل سيكون، في رأي البعض، اختباراً للنيّات الأميركية في المساعدة على حلّ للأزمة اللبنانية من عدمها، فالاستكشاف والحفر الجاري والمتوقّع أن تظهر نتائجه في خلال الستّين يوماً المقبلة، يفرض وجود سلطة جديدة في لبنان، خصوصاً وأنّ كلّ التقديرات لدى أصحاب الاختصاص تؤكّد أنّ الحفر سيحقّق النتائج المرجوة التي تكرّس لبنان دولة نفطية.
ولذلك يسأل البعض هل يأتي هوكشتاين لـ"يقوطب" على مهمّة لودريان قبل مجيئه، ويخطف وهج مهمّته، وإظهار واشنطن بأنّ يدها هي العليا في الحلّ اللبناني وفي كلّ الحلول التي ترسم لبقية أزمات المنطقة، وأنّ تصعيدها وضغطها الحالي هنا وهناك هو لتأكيد أنّ ما من حلّ لأيّ أزمة في المنطقة يمكن أن يتمّ من دون "بركتها"؟
ويبقى السّؤال: هل حان أوان الحلّ اللبناني حسب التوقيت الأميركي؟ أم أنّ مرحلة الانتظار لم تنته بعد؟ تلك هي المسألة... فلننتظر لِنَرَ؟