برحيل سلمان اليوم تطوي هذه المهنة المُنهكة بالطارئين عليها صفحة مطرّزة على مدى 50 سنة من العمل الصحافي الدؤوب بكلّ ما تحمل كلمة صحافي من معانٍ مهنية ومناقبية من دون أن ينزلق قلمه مرّة واحدة، ومع كل صباح كانت توزع كلمات سلمان خبزاً على شاكلة افتتاحيات ساخنة، بعد ليل غالباً ما كان يمتدّ حتى ساعات الفجر الأولى في عجن المفردات وخبزها.
"الوطن بلا سفير" هو العنوان الذي اختاره ناشر صحيفة السفير الصحافي طلال سلمان، للعدد الأخير للصحيفة قبل نحو 6 أعوام، يوم نعى سلمان نفسه عن عمر ناهز الـ11352 عدداً، حملت بمجملها قضايا الوطن والأمّة، فالباحث عن المتاعب رحل أمس السبت، بكثير من الصمت والهدوء ليعلّمنا على أيّ هيئة يرحل الكبار الكبار ومن دون أن يقدّم استقالته كأستاذ لنا نحن أبناء المهنة، حتى بعد موته.
برحيل سلمان اليوم تطوي هذه المهنة المُنهكة بالطارئين عليها صفحة مطرّزة على مدى 50 سنة من العمل الصحافي الدؤوب بكلّ ما تحمل كلمة صحافي من معانٍ مهنية ومناقبية من دون أن ينزلق قلمه مرّة واحدة، ومع كل صباح كانت توزع كلمات سلمان خبزاً على شاكلة افتتاحيات ساخنة، بعد ليل غالباً ما كان يمتدّ حتى ساعات الفجر الأولى في عجن المفردات وخبزها.
سنظل ننتظر إفتتاحية ولن نقول وداعاً بل إلى اللقاء طلال سلمان لأنّ الفكر بالفكر موصول والعروبة والنضال وكلّ قضايا الأمّة وإن بهتت مفرداتها، باقية والأمل على قدر الألم
"صعب صياغة الحلم بعنوان"، قالها يوماً في إحدى مقابلاته التلفزيونية، ولم يعلم طلال سلمان كم هو صعب صياغة رحيله بعنوان أو حتى مقال. فمن عليائك هل لأبديت رأيك بهذه الكتابات أم أنك تراها دون المستوى؟ فأين أخفقت لغوياً؟ وأين سقطت إملائياً؟ هل ستنال شيء من إعجابك؟ من حيث أنت اليوم وبمنصبك الجديد كسفير للكلمة بين الأرض والسماء سنظل ننتظر إفتتاحية، ولن نقول وداعاً بل إلى اللقاء طلال سلمان، لأنّ الفكر بالفكر موصول والعروبة والنضال وكلّ قضايا الأمّة وإن بهتت مفرداتها، باقية والأمل على قدر الألم، نعم الألم الذي كنت أنت أول شاهد عليه وروّضته بالكلمة ونلت منه وما نال منك. لترقد روحك بكثير من السلام والسكينة.
وفي الختام سنستذكر ونطّلع على شيء وتغيب عنا أشياء من سيرة طلال سلمان ومسيرة ابن بلدة شمسطار البقاعية التي كان لها الشرف بولادته عام 1938 لأبٍ "دركي" يدعى إبراهيم أسعد سلمان وأم تدعى فهدة الأتات وقد تنقل بين عدة مدارس، بسبب تنقّل والده بين المدن حسب ما كانت تقتضي طبيعة عمله، وفيما أنهى دروسه الثانوية عام 1955، بدأ سلمان حياته المهنية مصححاً في جريدة "النضال" ثمّ عمل صحافياً بلا راتب في جريدة "الشرق" أواخر سنة 1956.
وبعد فترة تدريب في بعض الصحف اليومية، انتقل إلى مجلة "الحوادث" عام 1957، وعمل فيها محرراً، ثم سكرتيراً للتحرير، ومنها انتقل إلى مجلة "الأحد" عام 1960، وتولى إدارة التحرير. وفي خريف عام 1962 سافر إلى الكويت، بحيث أصدر مجلة "دنيا العروبة" لصاحب "دار الرأي العام" عبد العزيز المساعيد، والتي تولى رئاسة تحريرها فترة قصيرة، عاد بعدها إلى بيروت ليتولى إدارة التحرير في مجلة "الصياد" في صيف عام 1963.
وبين عامي 1963 و1973 تنقّل بين مجلات "الصياد" و"الأحد" و"الحرية"، قبل أن يتفرّغ في "الصياد" و"الأنوار" لتغطية الأحداث العربية. فعُرف داخل عدد من الأقطار العربية، وحاور مجموعة من أبرز الملوك والرؤساء والقادة السياسيين والحزبيين العرب، وعالج مجموعة من الملفات والقضايا الساخنة. حاور عدداً كبيراً من كبار الأدباء والكتاب والفنانين العرب، في عدد من الأقطار العربية، وربطته بمعظمهم صداقات وثيقة.
في أواسط عام 1973 تفرّغ لإصدار "السفير" جريدةً يومية تحت شعار "صوت الذين لا صوت لهم"، وقد صدر عددها الأول في 26 آذار من عام 1974.
وشغل سلمان منصب عضو مجلس نقابة الصحافة اللبنانية منذ عام 1976حتى عام 2016، فيما سبق له ونجا من محاولة اغتيال أمام منزله في منطقة الحمراء في بيروت، في 14 تموز 1984، وأصيب بجروح في أنحاء متعددة من جسده.
بالأمس رحل الجسد وبقي القلم والحلم.