يمكن القول إن القمة العربية الإسلامية الطارئة المنعقدة في قطر رداً على العدوان الإسرائيلي الذي تعرضت له عاصمتها الدوحة، كانت قمة الحسابات والمراجعات لكل التطورات في المنطقة منذ عملية "طوفان الأقصى" وما قبلها والتي جعلت مصيرها، ولبنان من ضمنها، مفتوحاً على احتمالات شتى.
وصلت "الموسى" هذه المرة إلى الرقبة. والغريب العجيب أن الرقبة هي رقبة دول مطبّعة أو شبه مطبّعة مع إسرائيل وحليفة للولايات المتحدة خصوصاً وللغرب عموماً.
صحيح أن الغاية الإسرائيلية المعلنة من الهجوم على الدوحة كانت اغتيال قادة حركة "حماس" المقيمين والذين يشكلون الفريق الحمساوي المفاوض معها عبر الولايات المتحدة وقطر ومصر. ولكن تبيّن أن المستهدف الأول والأخير من العملية هو قطر نفسها، بدليل اتّهام صحيفة "جيروزاليم بوست" المحافظة قطر بتمويل كل حركات الإسلام السياسي المناهضة لإسرائيل في غزة والمنطقة وحول العالم، وهي دولة يبلغ عدد سكانها 300 ألف نسمة من أصل ثلاثة ملايين شخص يسكنونها، عرباً وأجانب. وقد استهلت مقالتها الاتهامية بعنوان "انتهى الأمر. أنهت إسرائيل للتو لعبة الإرهاب والنفاق القطرية". جاء في المقالة "كُشِفت حقيقة قطر التي كانت طوال الوقت راعية للإرهاب، وينبغي للعالم المتحضر أن يعاملها على هذا الأساس". وأنهت الصحيفة مقالتها بالدعوة إلى نقل القواعد الأميركية من قطر إلى مصر، والتحقيق في الاستثمارات القطرية في الغرب وفرض عقوبات على الشركات القطرية و"معاقبة القادة القطريين على ما فعل الإرهابيون الذين موّلوهم"، وكذلك "استبعاد قطر عن إعادة إعمار غزة عندما يحين الوقت لهذا المشروع الذي تبلغ كلفته مليارات الدولارات"، لتخلص إلى السؤال: "هل سيطلّق العالم قطر غدا؟ وتجيب: "بالطبع لا، لكن إسرائيل فعلت ذلك للتو".
يُستدَلّ من كل هذا أن الغارة الجوية على الدوحة لم تكن استهدافاً لقادة "حماس" بمقدار ما كانت استهدافاً لقطر من حيث الدور أو الأدوار التي تلعبها في المنطقة وحول العالم. وهذا ما طرح مخاوف من أن تكون إسرائيل قد بدأت للتو حرباً على دول أخرى في المنطقة حليفة للغرب في موازاة حربها المستمرة على دول "محور المقاومة" وأذرعه وعلى رأسها إيران سعياً إلى تحقيق مشروعها المعلن "تغيير وجه الشرق الأوسط" الذي تبين أنه "إسرائيل الكبرى" التي أعلن بنيامين نتنياهو خريطتها في الآونة الأخيرة غير آبه بردود الفعل العربية والدولية عليه.
ومع أنّ خريطة إسرائيل الكبرى هذه التي ضمّت لبنان وسوريا والعراق والكويت والأردن وشمال المملكة العربية السعودية وسيناء المصرية لم تشمل قطر، برز تخوّف من أن يكون الهجوم الاسرائيلي عليها تدشينا لانطلاقة نتنياهو في مشروع "إسرائيل الكبرى" عبر الهجوم على الدول المحيطة بخريطتها. ولذلك ثمة خشية من أن تكون السعودية من أبرز المستهدفين بالهجوم على قطر اللصيقة جغرافيا بها وخصوصاً أن السعودية تتمسك بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية شرطاً لأي سلام أو تطبيع مع إسرائيل التي تصرّ على رفضها القاطع لهذه الدولة الفلسطينية.
ولأن لبنان مشمول إسرائيلياً بخريطة إسرائيل الكبرى فهو يواجه تهديداً وجودياً مباشراً. ولذلك، فمشاركته في القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة تكتسب أهمية كبرى، رافعاً الصوت أمام الدول العربية والإسلامية، محذّراً من الخطر الوجودي وداعيا إلى أوسع تضامن عربي واسلامي لمواجهة هذا المشروع الإسرائيلي الخطير الذي يهدد الأمن القومي العربي ودول المنطقة.
وما يعبّر عنه رئيس جمهورية جوزاف عون أمام القمة يشكّل خريطة طريق لإنقاذ لبنان ودول المنطقة وهي خريطة من شأنها أن توقف "الزحف" أو "الاجتياح الجغرافي" الإسرائيلي لجنوبيّ لبنان وسوريا للوصول إلى الفرات. ومطلب لبنان في هذا هو تشكيل قوة عربية وإسلامية تضغط دوليا لإلزام إسرائيل بوقف إطلاق النار المعلن منذ 27 تشرين الثاني 2024 والانسحاب من الأراضي اللبنانية إلى خلف الحدود وإحياء اتفاق الهدنة المعقود بينها وبين لبنان في آذار 1949 الذي ينظم الأمن على جانبَي الحدود بعيداً من أي ترتيبات أخرى كاتفاق سلام أو تطبيع. وسيكون دعم لبنان في إعادة إعمار ما دمّرته الحرب من أبرز المطالب الملحّة التي يأمل لبنان التجاوب معها في القمة لأن من شأن إعادة الإعمار أن تعيد الجنوبيين اللبنانيين إلى أرضهم، فضلا عن أن تقديم الدعم وكل أسباب القوة للجيش اللبناني لكي تبسط الدولة سلطتها في الجنوب وعلى بقية الأرض اللبنانية يشكل عاملا أساسيا لحماية لبنان من الخطر الإسرائيلي أو غيره.
ومع أن رئيس الجمهورية سيشرح للملوك والرؤساء الذين يلتقيهم الخطوات التي اتخذتها الحكومة لتحقيق حصرية السلاح بيد الدولة ومباشرتها في نزع السلاح الفلسطيني من المخيمات، فإن هذه الخطوة وضعت اللبنة الأساسية لحل سياسي داخلي يتزامن مع القرارات الإصلاحية التي يأمل لبنان أنها ستعيد الثقة العربية والدولية به.
ولذلك فالأمل كبير أن تكون قمة الدوحة فعلا قمة الحسابات والمراجعات لطريقة تعاطي جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي مع قضايا لبنان والمنطقة والخروج بمواقف وإجراءات عملية لمواجهة مشروع إسرائيل الكبرى الذي نقلته تل أبيب من الشعار التوراتي إلى التنفيذ من خلال قضم أراضٍ لبنانية وسورية بحجة اقامة "مناطق عازلة" لحماية أمنها فيما تدمّر قطاع غزة لتضمّه إلى جانب الضفة الغربية.
على أن المراجعات التي يفترض أن تخلص إليها قمة الدوحة تفرض على المؤتمرين أن يغيّروا طريقة تعاطيهم مع غزة والضفة الغربية ومع لبنان وسوريا والتوجه إلى الولايات المتحدة لإقناعها بالضغط على إسرائيل لوقف مشاريعها التوسعية والقبول بقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية بما يحقق السلام العادل والشامل في المنطقة، وليس هناك أي جهة اقدر من واشنطن للضغط على اسرائيل حليفتها التي لا تقطع أي خيط في المنطقة والعالم من دون الدعم والموافقة الأميركيين.