طلب الوساطة الذي تقدّم به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين بغية مساعدته على التواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد، أعاد إلى الواجهة، مرة أخرى، مسألة إعادة العلاقات بين تركيا وسوريا، وذلك على هامش انعقاد قمة بريكس في مدينة قازان الروسية أواخر الشهر الفائت. وخرج أخيرًا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، بتصريحٍ صحافيٍ قال فيه: "إنّ الحكومة السورية ليست على استعداد للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الصراع مع "المعارضة السورية" أو "تطبيع" العلاقات مع تركيا"، عازيًا السبب إلى أنّ "الأسد وشركاءه غير مستعدّين لحلّ بعض المشكلات، وغير مستعدّين للتوصّل إلى اتفاقٍ وتطبيعٍ كبيرٍ مع "المعارضة" السورية".
فما الخلفية الحقيقية للموقف الأخير الذي يتناقض مع "الليونة" التي أبداها الرئيس التركي حيال "إعادة تفعيل علاقة بلاده مع جارتها سوريا؟". يؤكّد مرجع في العلاقات الدولية متابع لمجريات الوضع الإقليمي أنّ "السبب الجوهري الذي دفع الوزير التركي إلى اتّخاذ موقفه الوارد آنفًا، هو عدم موافقة الحكومة السورية على إجراء محادثاتٍ مع الجانب التركي من دون شروطٍ مسبقةٍ، كما كانت تأمل حكومة أنقرة، كذلك عقد لقاء بين الأسد وإردوغان، قبل انسحاب القوات التركية من سوريا، أو على الأقلّ وضع جدول زمني تحدد فيه السلطات التركية موعد انسحاب هذه القوات من الأراضي السورية، بالإضافة إلى تعهّد حكومة أنقرة أمام موسكو، الكف عن دعم المنظمات الإرهابية، وفقًا للتصنيف الدولي، وعدم التدخل في الشؤون السيادية والداخلية السورية". وفي هذا الشأن أيضًا، يشاطر مرجع قيادي في دمشق الرأي المذكور آنفًا، تحديدًا رفض القيادة أي تدخلٍ خارجيٍ في شؤونها الداخلية. ويسأل:" إذًا، لماذا واجهت سوريا حربًا كونيةً؟ أليس دفاعًا عن سيادتها وقرارها الحر؟ ولو رضخنا للإملاءات الخارجية، هل كنّا دخلنا في هذه الحرب؟". ويتابع سائلًا: "هل يعقل أن تحاور القيادة السورية التنظيمات التكفيرية الإرهابية المسلّحة؟ وهل تفسح في المجال لمن يتلقّون الأوامر من الخارج حيث يقيمون، ويتقاضون الأموال منه، أن يشاركوا في الحكم!؟"... "فهذا تخطٍ للخطوط الحمر"، على حدّ تعبيره. ويؤكّد المرجع أنّ "التوجه الأساسي لدى دمشق، هو العودة القوية إلى الأسرة العربية، بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك لتعزيز الجهد العربي في الإسهام في حلّ مختلف القضايا العربية العالقة، خصوصًا وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان وفلسطين".
ويختم: "هذه هي أولويتنا في الوقت الراهن".
في المقابل، تعتبر مصادر في المعارضة السورية أنّ "شروط الحكومة السورية على الجانب التركي، غير واقعيةٍ على الإطلاق في هذه المرحلة، أي في ضوء وجود القواعد الأميركية، وانتشار مسلّحي "قوات سوريا الديمقراطية- قسد"، في بعض مناطق شمال سوريا، وشمالها الشرقي، ناهيك بالميليشيات المدعومة من أنقرة، والتي تأتمر بها". وتضيف المصادر "لذا لن توافق تركيا على سحب قواتها من الأراضي السورية، كذلك لن تبادر إلى تحديد موعدٍ لانسحاب هذه "القوات"، قبل انسحاب القوات الأميركية، التي تؤمّن الدعم والرعاية لـ "قسد"، التي تصنّفها أنقرة تنظيمًا إرهابيًا يتهدّد الأمن القومي التركي". وتلفت إلى أنّ "السلطات السورية تعتبر أنّها غير معنيةٍ بالهواجس التركية، تحديدًا لجهة بقاء انتشار مسلّحي "قسد" على الأراضي السورية القريبة من الحدود السورية- التركية". وتختم: "كلّ ما يعني دمشق هو انسحاب القوات التركية عن أراضيها، وهذا لن يحدث إلّا بحصول مفاجأة، كانسحاب وحدات الجيش الأميركي من الأراضي السورية".
في المحصلة، من يقرأ تاريخ سوريا الحديث، ويتابع مجريات الأوضاع السياسية فيها، يرى أنّ دمشق تنتهج سياسة الانفتاح على دول المنطقة والعالم، ولكن انطلاقًا من موقعها في العالم العربي، ودورها فيه، وكانت دائمًا تؤدي دور "وسيط الخير" بين الدول العربية وإيران، انطلاقًا من العلاقة القوية التي تربط بين دمشق وطهران. وها هي سوريا اليوم تستعيد دورها السابق، الذي كان قبل آذار 2011، وكان آخر التطورات في هذا الشأن، تعيين الاتحاد الأوروبي مندوبًا له في دمشق.