هل يمكنك أن تتخيّل ما سيكون عليه العالم بعد 120 سنة من اليوم؟ أو كيف كان العالم قبل 120 سنة؟ هل تعتقد أنّ السفر عبر الزمن حقيقي فعلاً وأنّ البعض سافروا وشهدوا الابتكارات التي تتجاوز عصرهم؟
كثيرة هي أفلام الخيال العلمي القديمة التي استعرضت فيها ابتكارات كانت سابقة لعصرها، وهي ابتكارات نستخدمها اليوم في حين ظهرت لأول مرة منذ ما يقارب 100 عام في أفلام الخيال العلمي.
هذا النوع من الإبداع والتفكير المستقبلي المتنوّر، إذا أردنا أن نطلق عليه صفة ما، يتجلى في رسومات قديمة قامت بها مجموعة من الفنّانين الفرنسيين في العام 1899 وتصوروا من خلال رسومهم كيف سيكون الحال في العام 2000.
وفي نتائج جميلة وغريبة، تقع تنبّؤات الفنّانين وتوقّعات أسلافنا عن التقدّم في العالم.
"في عام 2000" هو تعاون حصل في العام 1899 بين فنّانين بقيادة الرسّام الفرنسي جان مارك كوتيه، حيث تمّ تكليف كلّ فنّان بتخيّل كيف ستبدو فرنسا بعد 100 عام. النتيجة كانت ما لا يقلّ عن 87 صورة، وبينما تبدو بعض رؤى الفنّانين مستحيلة وغير مقبولة، فإنّ بعضها جانب الحقيقة المستقبلية، مما يعكس التقدّم التكنولوجي في العالم الحقيقي الذي ندركه اليوم.
التكليف في العام 1899 جاء من قبل الشركة المصنّعة للألعاب Armand Gervais et Cie لمعرض باريس في العام 1900، ولكن لم يتم بيع السلسلة أبداً إذ أقفلت المؤسسة على أثر وفاة مؤسسها في نفس العام. تمّ نسيان البطاقات حتّى عشرينيات القرن العشرين عندما وجد تاجر تحف باريسي سلسلة جان مارك كوتيه في مخزون شركة الألعاب واشتراها.
الحصيلة
رجال إطفاء جويون ورجال شرطة طيارون لتنفيذ القانون، وغواصون على ظهور الخيل وتلامذة مدارس من دون كتب وموصلين إلكترونيا من خلال سمّاعات الرأس، إضافة إلى متزحلقين يستخدمون زلاجات كهربائية وأجهزة تنظيف كهربائية، إلّا أنّ هذه الرسومات غفلت عن تقدّمين هائلين من القرن الماضي هما السفر إلى الفضاء وأجهزة الكمبيوتر الشخصيّة. حتى الآلات المستقبلية التي لم تكن موجودة في عام 1900 تم تصويرها باستخدام ميزات ميكانيكية من القرن 19، مثل السلاسل والعجلات والرافعات.
الملاحظة المسلّية والملفتة للنظر هي أنّ الفنّانين قدموا نماذج مستقبلية مخيفة في مجال التكنولوجيا إلّا أنّهم غفلوا عن إجراء أيّ تعديل على ملابسهم، وقد يكون مردّ ذلك إلى كون باريس عاصمة الموضة قديماً أيضاً، إلّا أنّ ذلك يؤكّد النظرية القائلة بأنّ ما هو غير معروف لا يمكن تصوره.
المستوى التالي: ماذا عن الأفلام؟
من مكالمات الفيديو إلى المساعدين الصوتيين، أعطتنا أفلام الخيال العلمي والتلفزيون لمحة عن العقود المستقبلية قبل أن تصبح هذه الأجهزة حقيقة واقعة. فمنذ بدايات كل من صناعتي السينما والتلفزيون، أثارت إنتاجات أفلام الخيال العلمي خيال الجمهور حيث تنبّأت هذه الأفلام بالاختراعات التي أصبحت في النهاية حقيقة واقعة ولو بعد عقود.
تنبّأ صانعو الأفلام ببعض التقنيات الحديثة التي سبقت عصرها بكثير، فعلى سبيل المثال في فيلم "تقرير الأقلية" – Minority Report الذي ظهرت فيه تقنية لمس الشاشة وللتنقل عليها بلمسة أصبع إضافة لأجهزة الاستشعار التي يتم التحكم فيها بالحركة مثل Kinect.
لكن، قبل ذلك بكثير، يمكن أن نتوقف عند "الهبوط على سطح القمر" (Le Voyage dans la Lune) في عام 1902. فيلم رائد أنتجه المخرج الفرنسي جورج ميلياس (رحلة إلى القمر باللغة الإنجليزية) مستوحى إلى حدّ كبير من كتابات المؤلف الشهير جول فيرن. ميلياس صوّر الهبوط على سطح القمر قبل 70 عاماً من حصوله الفعلي في 1969. عندها فقط أعيد اكتشاف الفيلم القصير وإنقاذه من النسيان بعد عقود من إصداره الأول. أصبح المشهد الذي تهبط فيه كبسولة فضائية في عين الرجل في القمر إبداعياً ويسابق عصره ويعتبر الفيلم الآن أحد أكثر الأفلام تأثيرا في التاريخ.
متروبوليس من إنتاج 1927، يعتبر أول فيلم خيال علمي طويل وكان متقدماً على وقته عندما تم إصداره ويضم مكالمات الفيديو. ربما اشتهر الفيلم بتصويره لروبوت يشبه الإنسان، كما قدّم الفيلم فكرة الهاتف مع شاشة.
المكانس الروبوتية ظهرت بدورها في The Jetsons (1962-1963)، بعد نجاح The Flintstones ومغامراتهم التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ . تضمنت الحلقة الأولى تلفزيون كبير بشاشة مسطحة، كما أظهرت الحلقة الأصلية الأخيرة "إلروي" يشاهد The Flintstones على ساعته. لكن المسلسل، الذي استمر لموسم واحد فقط (على الرغم من إحيائه لاحقا في ثمانينيات القرن العشرين)، يتميز بكونه يعرض أداوت منزلية متطورة منها روبوت صغير منزلي مستقل يعمل بضغطة زر واحدة، وكان لدى عائلة Jetson أيضا الروبوت روزي التي كانت تظهر مع منفضة ريش أو حتى مكنسة كهربائية خاصة بها مضافة لجميع احتياجات التنظيف الأخرى.
الهواتف المحمولة؟
لنعد إلى استذكار ستار تريك (السلسلة الأصلية) (1966-1969). ينسب الفضل مرارا وتكرارا إلى المتّصلين من المسلسل التلفزيوني الأصلي Star Trek في الهواتف المحمولة الملهمة، إذ استخدم المسافرون على Star Trek العديد من الأجهزة المحمولة في رحلتهم، بما في ذلك tricorders المتعدد الوظائف والمترجمين العالميين المحمولين. اليوم، يتم تنفيذ مهام مماثلة بواسطة الهواتف والساعات الذكية.
أما المساعدون الصوتيون للذكاء الاصطناعي فكان لهم ظهورهم الأول في Space Odyssey في عام 1968، حيث ظهر رجل في رحلة عمل يجري مكالمة فيديو مع ابنته في المنزل وكذلك مشاهدة الأفلام على جهاز لوحي. ولكن ربما كان أفضل توقع في الفيلم هو القيام بالتحدث إلى أجهزة الكمبيوتر التي ستفهم بدورها ما يقوله وتستجيب له بأصوات خاصة بها، لا تختلف كثيرا عن Siri و Alexa ومساعدي الصوت الواقعيين الآخرين المدعومين بالذكاء الاصطناعي.
أما الطائرات العسكرية بدون طيار، فقد ظهرت في سلسلة "الناهي" في العام 1984 – The Terminator - لكن ظلت الآلات المحاربة ضرباً من الخيال العلمي حتى عام 2001 ، عندما أطلقت الولايات المتحدة MQ-1 Predator ، أول طائرة بدون طيار مقاتلة ومسلحة يتم التحكم فيها عن بعد تمكن الجيش تنفيذ هجوم مميت من على بعد آلاف الأميال.
هذا وقدمت السيارات ذاتية القيادة في فيلم Total Recall في عام 1990 وكانت السيارة "الاستقلالية" الأولى التي كانت تقوم بالمهام التي كانت تتطلب البشر في السابق. لم تكن هذه فكرة جديدة، إذ سبقها تصميم ليوناردو دافنشي لعربة مستقلة تعمل بالينابيع في أواخر القرن الخامس عشر، إضافة إلى السيارة الآلية في مسلسل "خيّال الليل" Knight Rider المعروفة بـ "كيت" في المسلسل التلفزيوني المشهور. لكن ما قدمه Total Recall كان فكرة حقيقية للغاية عن السيارة ذاتية القيادة التي أصبحت واقعية وحقيقة في الآونة الأخيرة.
هذا وظهرت الحوسبة القابلة للارتداء في Back to the Future II في عام 1989 من خلال النظارات التي ظهرت بها عائلة McFly على طاولة العشاء، فكانت بمثابة مقدمة لـ Google Glass وحتى Oculus Rift، وكلاهما حديث ولا يزال قيد التطوير. وتم استخدام الماسحات الضوئية للجسم بالكامل عارياً في فيلم في Airplane II: The Sequel في عام 1982، وكانت عبارة عن ماسحات ضوئية لكامل الجسم تكشف الركاب عراة، وهذا ما أصبح واقعاً بعد ما يقارب ثلاثة عقود، إذ أعلنت إدارة أمن النقل في الولايات المتحدة الأميركية عن ماسحات ضوئية للصور العارية في المطارات.
وقبل سنوات من أن يصبح الإنترنت شيئاً سائداً ومتوفراً للجميع، قدّم فيلم "ألعاب الحرب" War Games لمحة عما يجب الحذر منه في عالم متصل ومرتبط بما في ذلك القرصنة العامة والحرب الإلكترونية والاتصال الحربي (باستخدام مودم لمسح قائمة أرقام الهواتف) وهذا كان من شأنه أن يؤدّي لاحقا إلى ما يسمى بـ wardriving وهي تقنية التنقل الإلكتروني للبحث عن شبكات الواي الفاي المترابطة واستخدامها كمنصّة واحدة، ترافق ذلك مع ظهور تقنية أو مصطلح "جدار الحماية" في الفيلم عينه. هذا الفيلم مهّد لفكرة أن تقوم الآلة بشن حرب نووية تفني البشرية.
كل هذا الكلام عن تنبّؤات الأفلام أو التحضيرات للمستقبل كما يحلو للبعض اعتبارها يطرح علينا علامات استفهام عدة، لكن أخطرها يتمحور حول ما يمكن للبعض أن يتخيّله عن حقيقة ما ستؤول إليه هذه الدنيا بعد 100 عام من الآن، خاصة مع توفر هذا التقنيات الحديثة والمخيفة في آن.