حلّ اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، الذي أقرّته الأمم المتحدة في عام 1997، في 26 حزيران من كلّ عام، ليذكّر العالم بواحدة من أبشع الجرائم التي يمكن أن تُرتكب في حقّ الإنسان، وليؤكّد التزام المجتمع الدولي مكافحة التعذيب وتقديم الدعم إلى الناجين منه. وتكتسب المناسبة هذا العام أهمّية خاصة مع صور تعذيب المعتقلين في السجون الإسرائيلية التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وتظهر مدى الوحشية وامتهان الكرامة الإنسانية في ظلّ تجاهل عالمي معيب ومريب.
ويُعتبر التعذيب جريمة ضدّ الإنسانية وانتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان. على الرّغم من حظره بموجب القوانين الدولية، لا تزال هذه الممارسة اللاإنسانية تُرتكب في بعض البلدان، سواء لأغراض سياسية أو عسكرية أو غيرها. يعاني الضحايا آلاماً جسدية ونفسية لا يمكن وصفها، وقد تمتدّ آثارها إلى العائلات والمجتمعات بأسرها.
الأسرى الفلسطينيون
ولعلّ الأسرى الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية، هم أكثر الذين يمثلون ضحايا التعذيب، فمنذ بدء حرب الإبادة الجماعية في غزّة ومع تصاعد عمليّات الاعتقال التي شملت أكثر من 9,400 مواطن من الضفة، والآلاف من غزة، والمئات من فلسطينيي الداخل، تصاعدت عمليات التعذيب بشكل غير مسبوق في مستواها وكثافتها.
وبحسب تقرير حقوقي فلسطيني، أشارت شهادات المعتقلين إلى استخدام أساليب التعذيب النفسي والجسدي، التي تبدأ فعلياً منذ لحظة الاعتقال الأولى، من خلال طريقة الاعتقال الوحشية وعمليات الترهيب الممنهجة، والضرب المبرّح، ووضع القيود التي تتسبب بألم شديد في بدن المعتقل.
ويتعرّض المعتقل لعمليات الشبح، والاحتجاز في معسكرات ومراكز توقيف وتحقيق في ظروف مذلّة وتمسّ بالكرامة الإنسانية من خلال توجيه الشتائم والكلمات النابية إلى المعتقلين وعائلاتهم، والتحقيق معهم مدة طويلة وحرمانهم من النوم.
وتبيّن الشهادات تعرّض العديد من المعتقلين لاعتداءات جنسيّة، بما فيها الاغتصاب، وقد تسبّبت عمليات الضرب المبرح والتعذيب الشديد بإصابة المئات من المعتقلين بكسور في الأضلع، وتركهم من دون علاج. هذا إلى جانب تجويع الأسرى حتّى الموت.
التعذيب خلال التحقيق في لبنان
أمّا في لبنان، فـ"التعذيب ممنهج يحصل تحت غطاء من القيادات الأمنية والقضائية"، بحسب رأي المحامي المتخصص في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان محمد صبلوح الذي قال لـ"الصفا نيوز" إنّ "القضاء في لبنان لا يقوم بعمله في محاسبة مرتكبي جريمة التعذيب. وخير دليل على ذلك هو توجيه مدير عام التمييز أيّ شكوى تعذيب إلى النيابة العامة العسكرية، حيث المدعي لا صفة له. هو يقدم شكوى فقط. وبعد إجراء التحقيق، يأتي الجواب بأنّه عند صدور الحكم تحصل على تعويضاتك المدنيّة. وبالتالي، يُلفلف الموضوع من دون محاسبة حقيقية لمرتكب جريمة التعذيب".
قضية بشار عبد السعود
ولفت المحامي صبلوح إلى أنّ "القصّة الوحيدة التي سلكت طريقها في المحكمة العسكرية، هي قصّة بشار عبد السعود، اللاجئ السوري الذي توفي بعدما احتجزه جهاز أمن الدولة اللبناني. ووصلت أصداء الحادثة إلى الإعلام، وتمّت إدانة الضابط والعناصر الأربعة معه بتهمة ارتكاب جناية التعذيب حتى الموت. هذا الملفّ أحيل إلى المحكمة العسكرية التي أخلت سبيل 4 موقوفين وأبقت على شخص واحد في السجن. أنا نفسي تعرّضت لمحاولات ضغط بغية سحب شكوى التعذيب، وتمّ الضغط على الأهل والورثة الذين سحبوا شكواهم وقبلوا التعويض. إلّا أنّنا لم نسمح بلفلفة الموضوع إذ شكّلت المنظمات الدولية مع عدد من الصحافيين قوّة ضغط على المعنيين، ثم قدّمنا طلبات في كلّ موعد جلسة لحضورها، وهذا ما جعل المعنيين يؤجلون الجلسات من دون أسباب مقنعة. واليوم، نحن في انتظار موعد الجلسة في 5-7-2024، وسنحضر كالعادة آملين أن نصل إلى نتيجة، لأنّ هناك، على ما يبدو، محاولات لإخراج المتهمين في الملف أبرياء".
القضاء العدلي vs القضاء العسكري
وفي إشارة إلى حالة تعذيب جديدة في لبنان، قال صبلوح، "تقدمنا بدعوى تعذيب جديدة حصلت في فصيلة رأس بيروت، وطلبنا من مدعي عام التمييز إحالتها إلى القضاء العدلي، والشكوى أحيلت إلى النيابة العامة الاستئنافية في بيروت، وبدل أن يعيّن مُدَّعي عام بيروت القاضي زياد أبي حيدر طبيباً شرعياً للكشف على الضحية خلال 48 ساعة، طلب مني أن أجلب له اسم الضابط الذي قام بالتعذيب. ففعلت ذلك، وبدل تعيين طبيب، حفظ الشكوى، وأمّنا إفادة بحفظ الشكوى. ويبدو أنّ القضاء العدلي أكثر سوءاً من القضاء العسكري في تعامله مع قضايا التعذيب".
المسؤولية الأولى تقع على القضاء
وبحسب صبلوح "أثبتت التجارب أنّ القضاء يخشى من فتح قضايا التعذيب، إلّا في قضايا الرأي العام، وحتّى في الأخيرة يحاول المعنيون تأجيل بتّ الملف. ما يحمّل القضاء المسؤولية الأولى بالسماح لمرتكب جريمة التعذيب بالتفلّت من العقاب وهو الذي يشكل غطاء للأجهزة الأمنية من خلال الاستمرار في مخالفة الاتفاقات الدولية، وقانون 65/2017، والمادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية".
وأضاف "إذا تعرّض شخص لضرب وتعذيب على يد جهاز أمني خلال التحقيق معه وأبلغ قاضي التحقيق بذلك، يتعيّن على الأخير توقيف التحقيق في الملف وفتح تحقيق في جريمة التعذيب. وإن ثبت التعذيب، تهمل التحقيقات الأولية، وتعتبر غير قانونية، وباطلة، ويُحاسَب مرتكب جريمة التعذيب. في لبنان لا يستخدم القضاة هذه الصلاحيات، على الرغم من تقديمنا أدلّة توثّق حالات التعذيب".
أهداف اليوم العالمي
يهدف اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب إلى تحقيق عدّة نقاط رئيسية، هي:
- التوعية: زيادة الوعي العالمي بمدى انتشار التعذيب وآثاره المدمرة على الأفراد والمجتمعات.
- التضامن: إظهار التضامن مع ضحايا التعذيب وتقديم الدعم اللازم إليهم.
- المساءلة: الدعوة إلى محاسبة مرتكبي جرائم التعذيب وضمان عدم تفلّتهم من العقاب.
- التعافي: تقديم الدعم الطبّي والنفسي والاجتماعي إلى الناجين من التعذيب من أجل مساعدتهم في استعادة حياتهم.
جهود الأمم المتحدة
تلعب الأمم المتحدة دوراً حاسماً في مكافحة التعذيب من خلال العديد من الآليات والبرامج. أبرزها لجنة مناهضة التعذيب، التي تعمل على مراقبة تنفيذ الدول الأعضاء التزاماتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب. كما توفر الأمم المتحدة الدعم الفني والمادي للكثير من المنظمات غير الحكومية التي تقدم خدمات مباشرة إلى الناجين.
دعم الضحايا: مسؤولية مشتركة
لا يقتصر دور مكافحة التعذيب على الحكومات والمنظّمات الدولية فحسب، بل يمتدّ كذلك ليشمل المجتمع المدني والأفراد. يمكن كلّ منّا أن يساهم في هذه الجهود من خلال التوعية بحقوق الإنسان، ودعم المنظمات التي تعمل في هذا المجال، والمشاركة في الحملات التي تدعو إلى إنهاء التعذيب.
في اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، نتذكر الأوجاع التي عاناها الملايين حول العالم. ونجدد التزامنا بناء عالم خالٍ من التعذيب، حيث تُحترم فيه كرامة الإنسان وتصان حقوقه. إنّها مسؤوليتنا جميعاً أن نقف إلى جانب الضحايا ونعمل معاً لإنهاء هذه الجريمة البشعة.